"أما من كان دون المواقيت خارج الحرم فيُحرِم من المكان الذي ينوي فيه الحج أو العمرة، وأما من كان داخل الحرم فيُحرِم بالحج من الحرم، ويُحرم بالعمرة من الحِلِّ".
القسم الثاني: فهو الحِلُّ، وهو من كان مسكنُه بين المواقيت والحرم، فالواجب عليه أن يُحرِم من المكان الذي ينوي فيه الحج أو العمرة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حديث عبد الله بن عباس: «فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ -أي؛ دون هذه المواقيت أقرب إلى الحرم- فَمُهَلُّهُ مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» يعني؛ محل إهلاله، محل تلبيته من حيث نوى العمرة، من حيث نوى النُسك (الحج أو العمرة).
واختلف العلماء -رحمهم الله- في مكان إحرامه هل هو من بيته، أم هو من مُسمَّى مكانه أم هو من أقصى نقطةٍ بُعْدًا عن الحرم في محلته؟
للعلماء في ذلك أقوال؛ منهم من قال: من بيته، ومنهم من قال: مِنْ مُسَمَّى مكانه، ومنهم من قال: يُستحب له أن يقصد أقصى نقطةٍ بُعدًا عن الحرم في مُسمَّى مكانه، فيُحرم منه، فمثلًا من كان على سبيل المثال: من بَحْرة وهي دون المواقيت وقبل الحرم، إذا أراد أن يُحرِمَ فيُحرم من بيته، وقيل: بل يُحرم من مُسمَّى بَحْرة فلا يخرج من البلدة إلا وهو محرم.
واستحب بعضهم أن يذهب إلى أبعد نقطة في بَحْرة عن الحرم؛ ليُحرم منها.
والصواب: أنه يُحرم من مُسمَّى البلد سواءً من بيته أو من مُسمى محلته؛ إلحاقًا لتلك المواضع بالمواقيت؛ فإنه لا يلزمه أن يذهب إلى أقصى الميقات بُعدًا عن الحرم، ولا يلزمه من موضعٍ معينٍ في الميقات، بل كل الميقات محل الإحرام، فكل مُسمى الميقات فإنه يجوز أن يُحرِم منه بالحج أو العمرة، وكذلك من كان دون ذلك فإن مُسمَّى المكان الذي هو فيه يُحرم منه من أي جهاته، هذا ما يتصل بالقسم الثاني؛ وهم من كان منزله مسكنه بين الميقات والحرم.
القسم الثالث: أما من كان من أهل الحرم، ويُسمى الحرمي أو المكي؛ فإنه يُحرم بالعمرة من الحِلِّ، ويُحرم بالحج من الحرم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» أخرجه البخاري (1524)، ومسلم (1181) أي؛ يُهلون بالحج منها.
ودليل أن الإهلال منها إنما يكون فقط في الحج دون العمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما استأذنته عائشة في أن تعتمر، أمرها -صلى الله عليه وسلم- أن تخرج إلى الحِلِّ، فأعمرها مع أخيها عبد الرحمن من التنعيم أخرجه البخاري (1518)، ومسلم (1213) فلو جاز أن تُحرم من الحرم لما أمرها -صلى الله عليه وسلم- بالخروج إلى الحِلِّ، هذا ما يتصل بمسائل المواقيت، وبه يتبيَّن ما يتعلق بالمواقيت الزمانية والمواقيت المكانية للحج والعمرة.