قال - رحمه الله -: "وتقبيل القبور واستلامها والسجود لها".
ثمَّ ذكر بعد ذلك - رحمه الله -: "تقبيل القبور واستلامها والسجود لها"؛ وهذا من الصور التي تندرج في الشرك الأكبر؛ فإنَّ القبور من أعظم ما حصلت به الفتنة للناس؛ وذلك أن أول فتنة خرج بها الناس عن عبادة الله وحده لا شريك له فتنة القبور؛ حيث عظموا المقبورين، ونصبوا لهم الأمثال، أو التماثيل، أو الأنصاب؛ فعبدوهم من دون الله؛ كما قال - جلَّ في علاه - فيما قصه من خبر قوم نوح: ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾[نوح:23]؛ فهذه الأسماء أسماء رجال صالحين كانوا في قوم نوح ماتوا كما قال عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنه -، فنصب قومهم إلى مجالسهم، أو إلى مواضع قبورهم أنصابًا يتذكرونهم بها، ويعيدون في أذهانهم ما كانوا عليه من العبادة والطاعة فمات أولئك، ونسي العلم، فظن من جاء بعدهم أنَّهم كانوا يعبدونهم من دون الله، فعبدوهم من دون الله أخرجه بنحوه البخاري (4920) .
فكان مبدأ هذا الشر حاصلًا بما حصل من تعظيم القبور، وتشييدها الذي أفضى إلى عبادة غير الله - عزَّ وجلَّ -، فمن صور الشرك تقبيل القبور طلبًا للبركة من أصحابها، أو تقربًا إلى أصحابها.
قال - رحمه الله -: "واستلامها"؛ أي: مسح اليد على القبر طلبًا للبركة، أو تقربًا إلى الميت.
كذلك "السجود لها"؛ فإنَّ ذلك كله من عبادة غير الله، وهو مما يقع فيه كثير من الناس جهلًا بعاقبة هذه الأفعال التي تفضي بأصحابها إلى نقض لا إله إلا الله، والخروج عن دين الإسلام الذي جاء بالتوحيد، والنهي عن كل كفر وشرك.
ثمَّ ذكر - رحمه الله - من صور الشرك التي وقع فيها كثير من الناس اتخاذ القبور مساجد؛ فقال - رحمه الله -: "وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلى له فيها"؛ يصلى له؛ أي لله - عزَّ وجلَّ -فيها، "فكيف من اتخذ القبور أوثانًا تعبد من دون الله؛ فهذا لم يعلم معنى قول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5]"؛ فإنَّ مقتضي ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5]؛ ألا يصرف العبادة لغير الله - عزَّ وجلَّ -، فإذا كان هذا قد تقرب إلى المقبورين بما ذكر من تقبيل قبورهم ومسحها، والسجود لها، أو الطواف عليها؛ فإنَّ ذلك كله من الكفر والشرك الذي يخرج به صاحبه عن الإسلام.
وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من صلى لله عند القبر أخرجه البخاري (435)، ومسلم (531) فكيف بمن صلى لصاحب القبر؟! كيف لمن تعبد لصاحب القبر بأي نوع من أنواع العبادات؛ من تقبيل، أو استلام، أو غير ذلك من الأفعال التي يفعلها هؤلاء في المقبورين لإجابة الدعوات، أو لنيل ما يؤملونه من شفاعة وغير ذلك؟ فهذا لم يفهم معنى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة:5].