"فإن المشرك شبَّه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهيَّة، وهي التفرُّد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، فمن علَّق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، وسوَّى بين التراب وربِّ الأرباب، فأيُّ فجور وذنب أعظم من هذا؟".
لا فرق في ذلك بين أن يكون المشبَّه ملَكًا مقربًا، أو نبيًّا مرسلًا، أو وليًّا صالحًا، أو ما إلى ذلك من المعبودات، لا فرق فكلهم عبادٌ مقهورون مربوبون، لا يستحق أحدٌ منهم أن يتصف بصفات رب العالمين؛ فمن أمثلة من شبَّه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية أولئك الذين جعلوا الضر والنفع إلى غير الله - عز وجل -، الذين جعلوا العطاء والمنع إلى غير الله -عز وجل.
"فمن علق ذلك بمخلوق" فجعله ينفع أو يضر استقلالًا، يمنع أو يعطي استقلالًا؛ فقد شبهه بالخالق تعالى، "وسوَّى بين التراب وربِّ الأرباب، فأيُّ فجور وذنب أعظم من هذا؟!" ومثل هذا لا يدخل في المغفرة، ويوجب عظيم العقوبة.
بعض الناس يقول: هؤلاء لهم جاه، الرسول له جاه؛ فيقول أحدهم: يا رسول الله اغفر لي، يا رسول الله المدد، يا رسول الله ارزقني ولدًا، يا رسول الله ادعُ الله أن يعطيني كذا وكذا، كل هؤلاء جعلوا للمخلوق - وهو سيد الورى صلى الله عليه وسلم - ما ليس إلا لله، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حي قبل أن يموت؛ لقراباته بعيدهم وقريبهم؛ أي: ابتدأ بالأبعد فالأبعد: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ» أخص الناس به - صلى الله عليه وسلم - « سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» أخرجه البخاري (2753)، ومسلم (204) فإذا كان هذا حاله مع قراباته وبهذا التدرج بعدًا وقربًا؛ فكيف بحاله مع غيره من الناس، صلوات الله وسلامه عليه؟!
فكل من سأل غير الله "فقد سوَّى بين التراب وبين رب الأرباب" - سبحانه وبحمده -.