وقال تعالى عن خليله إبراهيم - عليه السلام -: ﴿أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾الصافات:86-87، أي: فما ظنكم أن يجازيكم إذا عبدتم معه غيره، وظننتم أنه يحتاج في الاطلاع على ضرورات عباده لمن يكون بابًا للحوائج إليه ونحو ذلك؟!
وهذا بخلاف الملوك، فإنهم محتاجون إلى الوسائط ضرورةً؛ لحاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم عن إدراك حوائج المضطرين.
فأما من لا يشغله سمعٌ عن سمع، وسبقت رحمته غضبه، وكتب على نفسه الرحمة، فما تصنع الوسائط عنده؟!
فمن اتخذ واسطةً بينه وبين الله تعالى فقد ظن به أقبح ظن. ومستحيلٌ أن يشرعه لعباده، بل ذلك يمتنع في العقول والفِطَر".
قال - رحمه الله -: "وقال تعالى عن خليله: ﴿أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ﴾الصافات:86"، أكذبًا تعبدون آلهةً غير الله وتتوجهون إليها بالعبادة.
"﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الصافات:87"، أشار إلى أن ما وقعوا فيه من الشرك سببه سوء ظنهم بالله، ما قدروا الله حق قدره، لو قدروا الله حق قدره ما التفتوا إلى سواه، لو أدركوا عظمته ما توجهوا إلى غيره، ما عبدوا إلا هو، لامتلأت قلوبهم محبةً له، وتعظيمًا، وإجلالًا، فليس في قلوبهم محبوبٌ سواه، ولا في قلوبهم مُعَظَّمٌ إلا هو، ولا في ألسنتهم دعاءٌ، ولا سؤالٌ، ولا تضرعٌ، ولا انكسارٌ، ولا طلب، إلا من الله - جلَّ في علاه - الذي منه تقضى الحوائج، لا مانع لما أعطى ولا مُعْطِي لما منع.
يقول إبراهيم لقومه الذين عبدوا غير الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾الصافات:87، "أي: فما ظنكم أن يجازيكم إذا عبدتم معه غيره، وظننتم أنه يحتاج في الاطلاع على ضرورات عباده لمن يكون بابًا للحوائج إليه ونحو ذلك؟
ولهذا أسعد الناس قلبًا هم أهل التوحيد الذين لا يعبدون غيره ولا يتوجهون إلا إليه -سبحانه وبحمده -، يسعدون؛ لأنهم يُنْزِلون حوائجهم بمالك الملك، يحسنون به الظن، يعلمون ما له من الكمالات - جلَّ وعلا -، بخلاف الذين يعبدون غيره، فهم في حيرةٍ وشقاءٍ وخوف، وزَّعوا قلوبهم على الخلق؛ فضَلُّوا عن الخالق - جلَّ في علاه -.
هذا شأن الرب، بخلاف شأن المخلوقين من الملوك وأصحاب العطايا والهبات، فإنهم محتاجون إلى من يُعِينهم، إلى من يُبَلِّغُهُم حوائج الناس، لكن الله - جلَّ في علاه - لا حاجة به إلى ذلك؛ فهو السميع البصير، هو العليم القدير، هو الذي لا تخفى عليه خافية، هو الذي يعلم السر وأخفى، ومن كانت هذه صفاته فإنه غنيٌّ عن أن يكون بينه وبين عباده وسائط تبلِّغه حاجاتهم، وسائط ترفع إليه مطالبهم، بل يسمع - جلَّ وعلا - مناجاتهم، وأسئلتهم، ويقضي حوائجهم، فهو الصمد - سبحانه وبحمده -.
قال: "وهذا بخلاف الملوك فإنهم محتاجون إلى الوسائط ضرورةً؛ لحاجتهم، وعجزهم، وضعفهم، وقصور علمهم عن إدراك حوائج المضطرين".
"فأما من لا يشغله سمعٌ عن سمع" - سبحانه وبحمده -، "من لا يشغله سمعٌ عن سمع، وسبقت رحمته غضَبَه، وكَتب على نفسه الرحمة، فما تصنع الوسائط عنده؟!"؛ لا حاجة إلى وسائط، فهو السميع، المجيب، الرحمن، الرحيم، الذي يُعْطِي على القليل الكثير.
"فمن اتخذ واسطةً بينه وبين الله تعالى فقد ظنَّ به أقبح الظن"؛ لجهله بعظيم قدرته، بعظيم سمعه وبصره، بسريع إجابته، بكريم عطاياه، وجليل إحسانه، وسعة رأفته ورحمته.
قال: "ومستحيلٌ أن يشرعه لعباده"، مستحيل أن يشرع الله تعالى لعباده أن يجعلوا بينه وبينهم وسائط، يمتنعُ في العقول والفِطَر.
إذًا الشرك تمنعه العقول، تمنعه الفطرة، فالقلوب مفطورة على عبادة الله وحده لا شريك له، تمنعه العقول؛ فالعقول الصحيحة التي تعرف قَدْر الرب لا يمكن أن تجعل بين الرب وبين الخلق وسائط، كل الرسل من لدن نوح إلى خاتمهم محمد بن عبد الله - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - كانوا يدعون الناس إلى أي شيء؟ إلى ألا يدعوا إلا الله، ولا يعبدوا إلا الله، وأن يحققوا لا إله إلا الله قلبًا، وقولًا، وعملًا.