تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1679

التاريخ : 2018-01-28 02:32:05


"واعلم أن الخضوع والتألُّه الذي يجعله العبد لتلك الوسائط قبيحٌ في نفسه كما قررناه، لاسيما إذا كان المجعول له ذلك عبدًا للملك العظيم الرحيم القريب المُجِيب ومملوكًا له، كما قال تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾[الروم:28]، أي: إذا كان أحدكم يأنفُ أن يكون مملوكه شريكه في رزقه، فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء فيما أنا منفردٌ به، وهو الإلهية التي لا تنبغي لغيري ولا تصلح لسواي؟! فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري، ولا عظَّمني حق تعظيمي.

وبالجملة، فما قَدَرَ الله حق قدره مَنْ عَبَد معه من ظن أنه يوصل إليه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا﴾[الحج:73]، إلى أن قال: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[الحج:74]، وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[الزمر:67]؛ فما قَدَرَ القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل".

هذا المقطع هو آخر ما ذكره المؤلف - رحمه الله - في جواب السؤال: هل الشرك مما تدل العقول على بُطلانه؟ ولماذا كان الشرك موجبًا للحرمان من الجنة ومنع المغفرة؟ ولماذا كان موجبًا لقِتَال أصحابه الذين صدوا عن سبيل الله، فأباح دماءهم وأموالهم؟

كان الجواب على ذلك: بما تقدم، ثم قال: "واعلم أن الخضوع والتَّألُّه الذي يجعله العبد لتلك الوسائط"، الخضوع يعني: الذل، ولابد لكل سائلٍ من أن يكون قد تطرق إلى نفسه شيءٌ من الذل؛ ولهذا كان الأصل في المسألة النهي في الشريعة، الأصل في المسألة عمومًا أن الشريعة نهت عنها إما نهي تحريم، وإما نهي كراهة؛ ولهذا بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - جملةً من أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئًا مطلقًا، حتى إن أحدهم كان يسقط سوطه من على راحلته وهو عليها فلا يسأل أحدًا أن يرفعه إليه أخرجه بنحوه مسلم (1043) بل ينزل، لماذا؟ لأن الأصل في سؤال الخلق الكراهة؛ لما فيه من الذل، فإذا كان السؤال في أمرٍ عظيم كان الذل بقدر ما في هذا السؤال من العظمة وشدة الحاجة والفاقة.

قال: "واعلم أن الخضوع والتَّألُّه الذي يجعله العبد لتلك الوسائط قبيحٌ في نفسه، لاسيما إذا كان المجعول له ذلك عبدًا للملكِ، العظيمِ، الرحيمِ، القريبِ، المجيب" الذي يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:186].

  

فإن التوجه إلى غيره في هذه الحال نوعٌ من الذل الذي ينبغي للعبد أن يُنَزِّه قلبه عنه؛ لأنه لا يصلح إلا لله - عزَّ وجلَّ -، فإذا صرفه للخلق كان ذلك تسويةً للخالق بالمخلوقين، وهو الشرك؛ لذلك قال - جلَّ وعلا -: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ﴾[الروم:28]، هل لكم من الرقيق الذين تملكونهم تبيعونهم وتشترونهم، ﴿مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾[الروم:28]، يشاركونكم في أملاككم، ﴿فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾[الروم:28].

ودع الرقيق قد لا يكون معلومًا حاله الآن، الخدم الذي يخدمونك، هل ترضى أن يشاركوك في أملاكك، وأنت قد استخدمتهم وهم أحرار؟ هل ترضى أن يشاركوك في أملاكك، فتكون أنت وهم على حدٍّ سواء تخافهم كَخِيفَتِك نفسك؟

الجواب: لا، فإذا كان كذلك فلماذا تسوي غير الله بالله، وهو - جلَّ وعلا - المنزَّه عن أن يكون له شريك؟!

قال: "وبالجملة، ما قَدَرَ الله حق قدره من عَبَد معه من ظن أنه يوصل إليه"، أي: الحوائج والمطالب.

وهذا إشارة إلى أن كل ما وقع الناس فيه من الشرك سببه سوء الظن بالله، وعدم قَدْرِ الله حق قدره - جلَّ في علاه -.

"قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾[الحج:73]"، وهذا من أعظم أمثال القرآن، فقد أمر الله تعالى الناس جميعًا بالاستماع له؛ لعظيم المنفعة فيه، ولبيان أن العبد ضعيفٌ لا قدرة له على شيء إلا بالله وإمكانه وإقداره - جلَّ في علاه -.

"إلى أن قال: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[الحج:74]"؛ فإذا كان عظيم القَدْرِ على هذا النحو فإنه لا يُتَوَجَّه إلى سواه، بل تُنْزَل الحاجات به - جلَّ في علاه -.

"وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[الزمر:67]"، نزَّه نفسه عما وقع فيه هؤلاء من الشرك.

"فما قَدَرَ القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل"؛ فحقه - سبحانه وبحمده - أن يُفْرَد بالعبادة، وألا يُتَوَجَّه إلى غيره وسواه.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق