تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 2003

التاريخ : 2018-03-12 10:39:36


الصنف الثالث من أصناف الناس في أفضل الأعمال "رأوا أن أفضل العبادات ما كان فيه نفعٌ متعدٍّ، فرأوه أفضل من النفع القاصر، فرأوا خدمة الفقراء، والاشتغال بمصالح الناس، وقضاء حوائجهم، ومساعدتهم بالجاه والمال والنفع أفضل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله» أخرجه الطبراني في الكبير (10033)، والبيهقي في الشعب (7046)، وقال الهيثمي في المجمع (13706): فيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك. وقال البوصيري في الإتحاف (5/ 522): مجمعٌ على ضعفه. ، قالوا: وعمل العابد قاصر على نفسه، وعمل النفَّاع متعدٍّ إلى الغير، فأين أحدهما من الآخر؟، ولهذا كان «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» أخرجه الإمام أحمد في المسند (21715)، وأبو داود في السنن (3641)، والترمذي في السنن (2682)، وابن ماجة في السنن (223)، وصححه ابن حبان (88) وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعلي: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ من حمر النعم» أخرجه البخاري (3701)، ومسلم (2406) ، وقال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا» أخرجه مسلم (1677) ، وقال: «إن الله وملائكته يصلّون على معلمي الناس الخير» أخرجه الترمذي في سننه (2685)، وقال: حسن صحيح وقال: «إن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، والنملة في جحرها» أخرجه بنحوه ابن ماجة في سننه (239)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5883) .

قالوا: وصاحب العبادة إذا مات انقطع عمله، وصاحب النفع لا ينقطع عمله ما دام نفعه الذي تسبَّب فيه. والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق، وهدايتهم، ونفعهم في معاشهم ومعادهم، لم يبعثوا بالخلوات والانقطاع، ولهذا أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أولئك النفر الذين همُّوا بالانقطاع والتعبُّد، وترك مخالطة الناس. ورأى هؤلاء أن التفرغ لنفع الخلق أفضل من الجمعيَّة على الله بدون ذلك، قالوا: ومن ذلك العلم والتعليم، ونحو هذه الأمور الفاضلة".

هذا هو القسم الثالث من أقسام الناس؛ وهم من يرى أنَّ أفضل العمل وأفضل العبادة ما كان نفعه متعدٍّ إلى الغير؛ يعني نفعه ليس عائدًا على الإنسان نفسه، مصلحة هذه العبادة ليست راجعةً إلى الإنسان نفسه، بل مصلحتها تتعدى إلى غيره.

  

وهؤلاء ذكروا لذلك جملة من الاستدلالات، وذكروا في حجة ما ذهبوا إليه جملة من الأحاديث؛ ابتداءً ذكروا في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله»، وهذا الحديث جاء من طرق عديدة، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه -، لكن ليس له طريقٌ مستقيم؛ فهو حديثٌ ضعيف، لكن من حيث المعنى، المعنى صحيح؛ «الخلق عيال الله» والعيال أي؛ أنَّ الله هو الذي يعولهم - جلَّ في علاه - هو الذي يقوتهم، هو الذي يرزقهم، وليس المقصود العيال الأولاد، بعض الناس يظن أنَّ العيال هم الأولاد، الأولاد سُموا عيالًا بالنسبة لأبيهم؛ لأنه يعولهم؛ ومنه حديث: «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» أخرجه البخاري (1427)، ومسلم (1034) أي؛ من تقوم به من زوجةٍ، وولدٍ، ووالدٍ وغير ذلك، فالخلق عيال الله أي؛ أنهم فقراء إلى الله؛ كما قال تعالى: ﴿أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[فاطر:15]، وكما قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33] فهو القائم على الأنفس يرزقها - جلَّ في علاه - يسوق إليها أرزاقها، ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾[هود:6] إلا أنَّ هذا الحديث ضعيف؛ فلا يصح الاستدلال به على ما ذكروا من أن أفضل الأعمال ما كان نفعه متعديًا.

ثم "قالوا: وعمل العابد قاصرٌ على نفسه، وعمل النافع والنفاع متعدٍّ إلى الغير فأين أحدهما من الآخر" ما كان قاصرًا وما كان متعديًا؛ فإن ما كان متعديًا أعظم نفعًا وأكبر أجرًا، قال: "ولهذا كان «فضل العالِم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب»"، وذكروا جملةً من النصوص الدالة على فضيلة العمل المتعدي، وجعلوا ذلك دليلًا على أنَّ العمل المتعدي يكون صاحبه أعظم أجرًا عند الله - عز وجل -.

قالوا: "وصاحب العبادة إذا مات" هذا وجه ثالث استدلوا به أنه "إذا مات انقطع عمله وصاحب النفع لا ينقطع عمله" من كان نفعه متعدٍّ لا ينقطع عمله بموته، بل له أجر ما تسبب به من الخير ولو بعد موته.

ثم قال: "والأنبياء" هذا الوجه الرابع الذي ذكروه في الاستدلال على أنَّ العمل المتعدي نافع؛ قال: "الأنبياء" صلوات الله وسلامه عليهم "إنما بُعثوا بالإحسان إلى الخلق" فهذا عمل الأنبياء وهو عبادتهم التي مُيزوا بها وفُضلوا، والله اصطفاهم بها، بهذا يكون تم ما ذكره - رحمه الله -.

ثم انتقل إلى الصنف الرابع.

  

إذًا يكون ما ذكره أربعة أدلة في بيان أنَّ أفضل العبادة ما كان نفعه متعديًا:

الدليل الأول: «الخلق عيال الله - عز وجل -، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله».

أما الدليل الثاني: فهو ما ذكره من الأحاديث الدالة على فضل العمل المتعدي، وأنه أعظم أجرًا من العمل الخاص القاصر كفضل العالِم على العابد ونحو ذلك.

أما الدليل الثالث: أنَّ العمل لا ينقطع بالموت بخلاف العمل القاصر.

الدليل الرابع: أنَّ هذا عمل الأنبياء، فالأنبياء مُيزوا على غيرهم بالعمل.

هذه أربعة أوجه.

الآن بعد أن ذكر أصناف الناس، وما سبق تقريره من أنَّ الناس في أفضل العمل على ثلاثة طرق:

1- أنَّ أفضلها أشقها.

٢- أنَّ أفضلها ما كان زهدًا في الدنيا وإقبالًا على الآخرة.

٣- ما كان نفعه متعديًا.

جاء الصنف الرابع وهو أعدل الأقوال وأقومها وأجمعها للأدلة؛ لأنه يلاحَظ في الأصناف السابقة أنه ذكرها ولم يتعقب جميعها، بل ذكر أحيانًا دليلًا ومضى إلى الذي يليه؛ لأنَّ هؤلاء جاءوا ببعض الحق، فأخذوا ببعض الأدلة، ولم يجمعوا الأدلة التي تدل على أفضل العمل.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق