تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1945

التاريخ : 2018-03-12 15:25:34


"وحقيقة العبادة امتثالهما؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾[آل عمران:191]".

جمع الله - عزَّ وجلَّ - في هذه الآية الغاية المرادة من الخلق والغاية المرادة بهم.

﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾[آل عمران:191]، هذه عبادة مرادة من الخلق، ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾[آل عمران:191]، لم تخلق هذا عبثًا، بل خلقته لحكمة ولغاية وهي: مجازاة العباد على أعمالهم، ومحاسبتهم على ما يكون منهم.

"وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾[الحجر:85]، ﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾[الجاثية:22]؛ فأخبر الله تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق المتضمن أمره ونهيه وثوابه وعقابه، فإذا كانت السماوات والأرض إنما خُلِقت لهذا وهو غاية الخلق فكيف يقال: إنه لا غاية له ولا حكمة مقصودة، أو إنَّ ذلك لمجرد استئجار العُمَّال حتى لا يتكدر عليهم الثواب بالمنَّة، أو لمجرد استعداد النفوس للمعارف العقلية وارتياضها لمخالفة العوائد".

جمع في هذه الكلمات الرد على الطرق المنحرفة كلها؛ ما كان منها يعتقد أنه لا حِكمة في الفعل ولا عِلَّة، وما كان يقول: "العِلَّة هي أن لا يتكدر العُمَّال بالثواب والمنَّة"، وما كان منها يقول بأن "المقصود هو رياضة الأنفس".

فالغاية واضحة منصوص عليها في الكتاب، غاية الأمر والنهي: تحقيق العبودية لله -عزَّ وجلَّ -، والغاية التي تنتج أو الثمرة التي تنتج عن هذا هو: ما يُجْريه الله تعالى على عباده من الجزاء والثواب والأجر على أعمالهم.

  

قال - رحمه الله -: "وإذا تأمَّل اللبيب الفرق بين هذه الأقوال وبين ما دلَّ عليه صريح الوحي عَلِم أنَّ الله تعالى خلق الخلقَ لعبادته الجامعة لكمال محبته، مع الخضوع له والانقياد لأمره، فأصل العبادة محبة الله، بل إفراده تعالى بالمحبة، فلا يُحِب معه سِواه، وإنما يُحِب ما يحبه لأجله وفيه، كما يحب أنبياءه ورسله وملائكته؛ لأن محبتهم من تمام محبته، وليست كمحبة من اتخذ من دونه أندادًا يحبهم كحبه".

"فأصل العبادة" أي: قاعدتها وأُسُّها الذي تُبْنَى عليه هو: تمام المحبة لله، ولا شك أنه بقدر قيام المحبة لله في قلب العبد بقدر ما يُحقق من العبودية؛ عبودية القلب لله - عزَّ وجلَّ -، عبادة القلب لله - عزَّ وجلَّ - نصيبها بقدر محبة الله في قلب العبد، فكلما عظُمَ في قلب العبد محبة الرب زادت عبوديته، وهذا أمرٌ متلازمٌ لا ينفك، وكلما نقص في قلب العبد حُبُّ ربه نقصت عبوديته لمولاه - جلَّ في علاه -.

  

وموجب المحبة، أي: الذي يُثمر المحبة هو العلم بالله؛ ولهذا بقدر ما يكون العبد عالمًا بربه بقدر ما يكون في قلبه حُبُّ ربه - جلَّ في علاه -، وبقدر ما يكون حُبُّ الله في قلبك بقدر ما يتحقق في قلبك وعملك من عبادته - جلَّ في علاه -.

هذا التسلسل الذي يبيِّن كيف تصل إلى تحقيق العبودية على وجه الكمال، مبدؤه العلم بالله، ومعرفة ما له من الكمالات، إذا عرفت الله وما له من الكمالات في أسمائه، وصفاته، وما أخبر به في كتابه، وما بثَّه في سمائه وأرضه مما يدل على عظمته أثمر ذلك حبك له، وإذا قام في قلبك حُبُّ الله أثمر ذلك طاعته وعبادته - سبحانه وبحمده -.

ولكن ينبغي أن يُعْلَم أن المحبة التي تُثْمِر تمام العبودية هي المحبة الخالصة له - جلَّ في علاه -، التي لا يكون له فيها نِدٌّ، ولا يكون له فيها شريك؛ ولذلك أشار المؤلف -رحمه الله - إلى هذا المعنى في أهمية التخلُّص من تعلُّق القلب بالحب لغيره، فبيَّن أن الحب له وحده؛ يقول - رحمه الله -: "بل إفراده تعالى بالمحبة" فليس لله شريكٌ في قلوب عباده محبةً.

  

عندما نقول: "محبة" نحن نقصد بهذا المحبة العبادية الدينية، وليست المحبة الطبيعية، أنا أحب الماء فأشربه، هذه محبة طبيعية، لا أحبه حب تعبُّد، لمَّا يحب الرجل مَن أحسن إليه يحبه محبةً طبيعية، لما يحب الوالد ولده والولد والده، هذه كلها محبة طبيعية ليست مما نتحدث عنه، فهي محاب فطرية طبيعية ليست من المحبة العبادية.

المحبة العباديَّة التي تقتضي الانقياد، والذل، والخضوع، هذه لا تكون إلا لله، ولا يجوز أن يُشْرَك فيها معه غيره، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165]، أعظم حبًّا لله، أقوى حبًّا لله؛ لأنهم أفردوا الله - عزَّ وجلَّ – بالمحبة؛ فلم يُشْركوا معه غيره - جلَّ في علاه -.

ونحبُّ الصالحين من الأنبياء والرسل والملائكة وغيرهم، لكن هذه المحبة هي محبة عبادية، لكنها ليست مساوية لمحبة الله، هي من ثمار محبة الله.

يقول - رحمه الله -: "وإنما يُحب ما يُحبه" يحب العبد ما يحبه الله من الأعمال، والبقاع، والأشخاص، "لأجله" فتُحِبُّ ذلك لأجله، لأنك تحبه؛ فتحب ما يحب -سبحانه وبحمده -.

قال - رحمه الله – "لأجله وفيه، كما يحب أنبياءه ورسله وملائكته؛ لأن محبتهم من تمام محبته، وليست كمحبة من اتخذ من دونه أندادًا يحبهم كحبه" فأولئك أشركوا في المحبة.

وعبادةُ الرحمنِ غَايةُ حبِّهِ - أي: منتهى حبه - ... مع ذُلِّ عابِدِهِ هما قطبانِ

وعليهما فلكُ العبادةِ دائرٌ... ما دار حتى قامت القطبانِ

ومداره بالأمرِ أمرِ رسولِهِ ... لا بالهوى والنفسِ والشيطانِ.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق
السيدة ام عبد المجيد نبيلي
جزاكم الله خيرا على هذه الدروس القيمة
2020-10-21