وقوله –رحمه الله-: (وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه) أو كثير من صفة من تلك الصفات لا يسير منها (بطبخ) طاهر فيه (أو) بطاهر من غير جنس الماء لا يشق صونه عنه (ساقط فيه).
هذا بيان لأحد أنواع الماء الطاهر أو الماء الذي خرج عن كونه طهورًا، فقال –رحمه الله-: (وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه) أي تغيرت إحدى صفاته، وهذا كاف في المذهب في نقله من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا المقنع في فقه الإمام أحمد (23), والشرح الكبير (1/55).
فالمذهب أن تغير صفة واحدة من صفاته، يكفي في نقله من الطهور إلى الطاهر، فتغير صفتين أو كل الصفات يكون من باب أولى في نقله من كونه طهورًا إلى كونه طاهر.
وأما إذا تغير بعض الصفة فهنا إن كان كثيرًا، فكتغير الصفة كاملة، وإن كان يسيرًا أي التغير في لون أو في طعن أو في رائحة لكنه تغير يسير، فالصحيح من المذهب أنه يعفى عنه مطلقًا المغني لابن قدامة (1/13)، والمبدع في شرح المقنع (1/29).
وقوله –رحمه الله-: (أو كثير من صفة) هذا بيان أن التغير اليسير من صفة من تلك الصفات لا يؤثر، وقد صرح به في قوله: (لا يسير منها) تغير لونه أو طعمه أو ريحه (أو كثير من صفة لا يسير منها) أي لا يسير من صفة، ثم ذكر ما يحصل به تغير الماء، ويمكن تصنيفه إلى قسمين:
الأول: تغير حسي.
الثاني: تغير معنوي.
فأما التغير الحسي: وبدأ به ؛ لأنه أظهر في حصول التغير قال: (بطبخ) أي بمعالجة يطبخ فيها طاهرًا، كأن يطبخ فيها طعامًا فيتغير عن كونه ماءً مطلقًا، أو بطاهر من غير جنس الماء كما لو وضع فيه شيئًا من الأجزاء الطاهرة غير الطعام، ويمكن صون الماء عنه، فإنه في هذه الحال ينتقل من كونه طهورًا إلى كونه طاهر حاشية الخلوتي على منهى الإرادات (1/21).
قال: (ساقط فيه) هذا ما ذكره المؤلف من صور التغير الحسي، وهو أن يسقط فيه شيء يغير صفاته أو إحدى صفاته تغيرًا كثيرًا كزعفران ثم قال: (لا تراب) يعني لا يدخل في ذلك التراب إذا سقط في الماء وعكره، فإنه لا يكون بذلك خارجًا عن كونه طهورًا. شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/118).
قال: (ولو قصدًا) يعني ولو كان التغير الحاصل بسقوط التراب فيه قصدًا بأن نثر فيه ترابًا أو كب فيه من التراب ما كب، فإنه لا يكون بذلك منتقلًا عن كونه طاهرًا، والسبب في هذا أن التراب أحد الطهورين، فإنه يستعمل في الطهارة في رفع الحدث في حال العجز عن الماء. المغني (1/12), والكافي في فقه الإمام أحمد (1/22).
قال: (ولا ما لا يمازجه مما تقدم) يعني بذلك ما لا يمتزج بالماء امتزاجًا تامًا، بل يخالطه لكنه لا يمازجه، فهذا لا ينقله عن الطهورية، ومثال ذلك الدهن ؛ فإن الزيوت والأدهان تتميز عن الماء إما أن تطفو عليه، ولا يحصل به تغير لصفاته أو لإحدى صفاته. الفروع وتصحيح الفروع (1/59), والإقناع في فقه الإمام أحمد (1/3).
وأما التغير المعنوي: فقال –رحمه الله-: (أو رفع بقليله حدث) هذا القسم الثاني من أقسام التغير الطارئ على الماء الطهور، وهو أن يتغير بأمر معنوي لا حسي، التغيرات المعنوية بدأها بقوله (أو رفع بقليل حدث) رفع أي بالماء حدثه ؛ لكن قيد الماء بقوله (بقليله) أي رفع بقليل الماء حدث، وقليل الماء ما كان دون القلتين، وقيد هذا الإطلاق الذي ذكره الماتن بقوله: (مكلف أو صغير فطاهر) أي إذا رفع بقليله حدث مطلقًا سواء كان حدث صغير أو حدث كبير فطاهر المبدع في شرح المقنع (1/30), وشرح منتهى الإرادات (1/18).، واستدل لذلك بقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» رواه مسلم أخرجه مسلم (283)..
قالوا: إن العلة في النهي عن الاغتسال في الماء الدائم أنه إذا استعمل في اغتسال، وهو رفع الحدث الأكبر أثر فيه كشاف القناع عن متن الإقناع (1/32), وشرح منتهى الإرادات (1/18)..
ولذلك قال في الشرح: (وعلم منه أن المستعمل في الوضوء والغسل ....إلى آخره) هذا انتقال لبيان المفهوم من كلام المؤلف ؛ لكن فيما يتعلق بوجه الدلالة في الحديث قالوا: إن نهي النبي –صلى الله عليه وسلم-عن الاغتسال في الماء الدائم إنما هو لكون الماء يصير بذلك مستعملًا إذا كان قليلًا، وذلك لأنه إذا كان محدثًا واستعمل الماء، فقد أزال به مانعًا من الصلاة، أشبه ما لو أزال به النجاسة، وهذا الحقيقة محل نظر فإن الحديث لا دلالة فيه على ما ذكره.
ولهذا القول الثاني في المسألة أنه تجوز الطهارة بما استعمل في رفع حدث، وهي رواية في مذهب الإمام أحمد –رحمه الله-اختارها جماعة من أصحابه. المغني (1/16), والكافي في فقه الإمام أحمد (1/24).
قال –رحمه الله-: (وعلم منه أن المستعمل في الوضوء والغسل المستحبين طهور) وذلك أنه لا يرتفع بالوضوء والغسل المستحبين حدث، بل هو تجديد طهارة. الكافي في فقه الإمام أحمد (1/24)، والشرح الكبير (1/65).
قال: (وأن المستعمل في رفع الحدث إذا كان كثيراً طهور) أي فهم أيضًا من كلام المؤلف أن المستعمل في رفع الحدث إذا كان كثيرًا طهور من أين أخذ هذا؟
من قوله: (بقليله) ومن أين استفدنا هذا من الحديث؟
قالوا: إن الماء الدائم يغلب عليه القلة، فلما كان كذلك، فإنه إذا كان كثيرًا لم يؤثر فيه رفع الحدث، فأناطوا الحكم بالماء القليل ؛ لأنه يغلب أن يكون الماء الدائم قليلًا. الشرح الكبير على المقنع (1/118), والكافي في فقه الإمام أحمد (1/35).
قال: (لكن يكره الغسل في الماء الراكد، ولا يضر اغتراف المتوضئ لمشقة تكرره).
هذا استدراك مما تقدم فعندنا مسألتان:
المسألة الأولى: حكم الاغتسال في الماء الدائم.
والمسألة الثانية: أثر الاغتسال في الماء الدائم.
أما الأثر فقد تقدم من أن أثر الاغتسال في الماء الدائم أنه ينقله من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا، وأما حكم الاغتسال فقالوا: إن الاغتسال في الماء الدائم مكروه، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا لذلك بأن العلة في النهي ليس لكون الاغتسال منهيًا عنه نهي تحريم، إنما لكونه يفضي إلى تكدير الماء على الناس.
وأما من ذهب إلى أنه ينجس، فهؤلاء قالوا بتحريم الاغتسال في الماء الدائم ؛ لكن المذهب اقتصروا في هذا على الكراهة وهو مذهب الجمهور، فقال: لكن يكره الغسل من الماء الدائم. المغني لابن قدامة (1/18)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/121).
إذًا الحكم فيما يتعلق بالاغتسال أو رفع الحدث في الماء الدائم أنه مكروه، وأما أثر ذلك فإن الاغتسال فيه يصيره طاهرًا.
قال: (ولا يضر اغتراف المتوضئ لمشقة تكراره) الاغتراف فيه مباشرة واستعمال للماء، لكنه لا يؤثر ؛ لأنه من ضرورة استعمال الماء أن يغترف منه، ولا يتيسر لكل أحد أن يغترف بإناء ثم يستعمل الإناء في طهارته، فلذلك عفي عنه. المغني (1/74), والمبدع في شرح المقنع (1/32).
قال: (بخلاف من عليه حدث أكبر، فإن نوى وانغمس هو أو بعضه في قليل لم يرتفع حدثه وصار الماء مستعملًا).
فهنا فرق بين الاغتراف للوضوء من الماء الدائم، وبين الاغتسال، فالاغتراف لا يؤثر ويرتفع الحدث بهذا الماء المغترف، وأما في الاغتسال فقالوا: (بخلاف من عليه حدث أكبر، فإن نوى وانغمس) أي نوى يرفع الحدث (وانغمس هو) يعني كاملًا (أو بعضه في قليل) وهو دون القلتين لم يرتفع حدثه، لأنه منهي عن الاغتسال في الماء الدائم والنهي يقتضي الفساد، فلا يرتفع حدثه، وصار الماء مستعملًا فهو في هذه الحال لم يحصل على مقصوده من رفع الحدث وصار الماء مستعملاً، كشاف القناع عن متن الإقناع (1/32), وشرح منتهى الإرادات (1/18). وهذا من محل التعارض والإشكال ؛ حيث أنه قال: (لم يرتفع الحدث وصار الماء مستعملًا) وإذا قيل لماذا صار مستعملًا؟
قالوا: لأنه استعمل في رفع حدث، ولهذا تتبين صحة الأقوال من اطرادها وسلامتها، فإذا قلنا: إنه لا يرتفع حدثه، فمعنى هذا أنه لا يصير الماء مستعملًا ؛ لأن الوصف المعنوي باقي، وإذا قلنا: يرتفع حدثه ،فعند ذلك يسوغ أن يقال: إن الماء صار مستعملًا.
قال –رحمه الله-: (ويصير الماء مستعملا في الطهارتين بانفصاله، لا قبله ما دام مترددا على الأعضاء).
(يصير الماء مستعملًا) أي ينتقل من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا بالاستعمال في الطهارتين الصغرى والكبرى (بانفصاله) يعني بأن يبين عن الأعضاء التي يطهر بها (لا قبله ما دام متردد على الأعضاء) فهو باق على طهوريته وإلا لما حصل بذلك الطهارة من رفع الحدث المبدع في شرح المقنع (1/32)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/71). هذا ما يتعلق بأول ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من الطوارئ على الماء التي ينتقل بها من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا حسًا، الأول رفع بقليله حدث.
الثاني قال: (أو غمس فيه) يد قائم من نوم ليل ناقض للوضوء.
هذا هو القسم الثاني من الطوارئ المعنوية التي ينتقل بها الماء من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا وهو غمس يد قائم من نوم ليل ناقض للوضوء في ماء قليل، ولذلك قال: (أو غمس فيه) الضمير يعود إلى الماء القليل، وهو ما دون القلتين. المغني (1/74), والمبدع في شرح المقنع (1/32).
(كل يد مسلم مكلف)، فخرج به غير اليد وخرج به غير يد المسلم، وغير يد المكلف.
(قائم من نوم ليل ناقض لوضوء) يبين ذلك المؤلف –رحمه الله-الشارح فيقول: (قبل غسلها ثلاث)، فإن غسلها ثلاث قبل الغمس لم يكن لهذا الغمس أثر. المغني (1/73).
قال: (نوى الغسل بذلك الغمس أو لا) يعني الحكم منوط بالفعل لا بنية الفاعل، فلو نوى بذلك الغسل أو لم ينوي فمجرد الغمس يحصل به تغير الماء من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/68).
قال: (وكذا إذا حصل الماء في كلها) يعني ومثل الغمس أن يحصل الماء في كلها وينفصل عنها حتى لو لم يغمس يده بأن صب على يده ماء، فإن الماء المنفصل عن يده يكون طاهرًا لا طهورًا.
ثم ذكر المؤلف –رحمه الله-ما سأل قال: (ولو باتت مكتوفة أو في جراب ونحوه) يعني الحكم ثابت حتى في هذه الصورة، وهي ما إذا وضع يده في حرز بأن كانت مكتوفة، يعني وثبتت في مكانها فلا تنتقل، أو مصونة بما تحرز به من غطاء كالجراب ونحوه، فإن الحكم ثابت في ذلك.
واستدل لهذا بقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» أخرجه البخاري (162)، ومسلم (237). هكذا رواية مسلم، وهي ظاهرة في النهي عن إدخال اليد في الإناء من المستيقظ من نومه وأناط الحكم باليد ؛ حيث قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه» وحملوه على نوم الليل ؛ لأنه الغالب في نوم الإنسان أن يكون ليلًا.
وقوله: «فليغسل يده قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثًا» أمر بغسل اليد ثلاث مرات، والمقصود باليد من مفصل الكوع، فاليد المطلقة في الشرع تنصرف إلى العضو من مفصل الكوع فما يلي ذلك من الكف والأصابع المغني (1/74).، وكما أشرت قبل قليل هذا الذي ذكره المؤلف هو لفظ مسلم والحديث في الصحيحين وقد رواه البخاري –رحمه الله-بمعناه.
ولذلك يقول المؤلف –رحمه الله-: (ولا أثر لغمس يد كافر وصغير ومجنون، وقائم من نوم نهار أو ليل إذا كان نومه يسيرًا لا ينقض الوضوء)، فكل هؤلاء لا أثر لغمس أيديهم في الإناء.
أما الكافر فخرج بقوله: (إذا استيقظ أحدكم) الخطاب لأهل الإسلام.
وأما خروج الصغير: فالصغير والمجنون لا يتوجه إليهما خطاب التكليف.
وأما خروج القائم من نوم نهار: فلقوله: (لا يدري أين باتت يده) والبيات إنما يكون في الليل، وأيضا أن الغالب في النوم يقع ليلًا.
وأما كونه إذا كان نومًا يسيرًا، فإنه لا ينقض ؛ لأنه قال: (إذا استيقظ) ومعنى استيقظ أي حصلت له اليقظة، وذلك يدل على أن ما كان قبل الاستيقاظ ذهاب انتباه وغياب عن حضور، فجميع ما ذكره المؤلف استنبط من الحديث. الكافي في فقه الإمام أحمد (1/58), والمغني (1/73), والمبدع في شرح المقنع (1/32).
ثم قال: (والمراد باليد هنا إلى الكوع) كما تقدم في أن اليد المطلق في الشرع من مفصل الكوع بدليل أية السرقة والمحاربة ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾[المائدة: 38]، وأية المحاربة الأخرى ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ﴾[المائدة: 33] فالإجماع منعقد على أن المراد باليد في الآيتين من مفصل الكوع. المغني (1/74), والمبدع في شرح المقنع (1/32).
قال: (ويستعمل هذا الماء إن لم يوجد غيره ثم يتيمم).
يعني فيما إذا لم يجد إلا هذا الماء الذي انغمست فيه يده قائم من نوم، فإنه يستعمله ؛ لكن استعماله هنا مراعاة للخلاف، ولذلك قال: (ثم يتيمم) أي فيجمع بين الوضوء بالماء والتيمم، والعلة في ذلك الاحتياط. كشاف القناع عن متن الإقناع (1/34).
والراجح في هذه المسألة أن غمس اليد في الإناء قبل غسلهما لا يؤثر على طهورية الماء، بل الماء باق على طهوريته ؛ لأنه ليس ثمة ما يفسده.
وإنما قالوا: إن النبي –صلى الله عليه وسلم-نهى عن غمس الماء في الإناء قبل غسلها ؛ لأنه يفسد الماء ولو لم يفسده لما نهى عنه.
والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أنه لا يتعين ذلك، فقد قيل: إن الأمر بغسل اليدين تعبدي وعليه، فيقال إننا نقتصر على مقتضى الأمر والنهي وهو وجوب الغسل وتحريم الغمس، ولو عد ذلك إلى غيره من الأحكام بأن ترفع الطهورية عن الماء بأن الحكم تعبدي، والتعبدي لا مجال فيه للقياس. شرح العمدة لابن تيمية (175), وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/169).
وقيل: إن العلة في الأمر بالغسل هو احتمال النجاسة، الشك في النجاسة، وعليه فيقال: إن طهورية الماء ثابتة بيقين، والوهم لا يزول به يقين الطهورية، ولو كان هذا يفسد ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم. المغني (1/73).
ثم قال –رحمه الله-: (وكذا ما غسل به الذكر والأنثيان لخروج مذي دونه؛ لأنه في معناه).
(وكذا) أي ومثل الماء الذي غمس فيه يد قائم من نوم ليل ناقض للوضوء (ما غسل به الذكر والأنثيين لخروج مذي دونه) يعني إذا غسل الذكر والأنثيان ولم يكن قد أصابهما مذي، إنما غسلا لامتثال التوجيه النبوي (اغسل ذكرك وأنثييك) سنن أبي داود (211). وهذا أمر سواء أصابهما مذي أو لم يصبهما، فإذا غسل ولم يكن قد أصابهما مذي ؛ لقوله: (دونه) فإنه في حكم ما تقدم من أنه يكون ناقلًا للماء من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا. المغني (1/18), والشرح الكبير على المقنع (1/68).
قال: (لأنه في معناه) هذا تعليل، والحقيقة أن هذا التعليل محل نظر ؛ لأن الأصل المقيس عليه محل خلاف واحد، ولأنه لم يرد فيه نص، ولا هو في معناه النص حتى يلحق به.
قال: (وأما ما غسل به المذي فعلى ما يأتي) من كونه أزيلت به نجاسة، فينتقل من كونه طهورًا إلى كونه نجسًا.
قال: (أو كان آخر غسلة زالت النجاسة بها) فطاهر هذا القسم الثالث أو الصنف الثالث من الأصناف التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-مما يرتفع عنه الطهورية ويكون طاهر.
قال: (أو كان آخر غسلة زالت النجاسة بها وانفصل غير متغير فطاهر) وهذا قيد (إذا كان آخر غسلة زالت النجاسة بها) يعني زالت بها عين النجاسة، (وانفصل) أي عن العين التي طهر بها (غير متغير) يعني لم تتغير إحدى صفاته، (فطاهر) أي فيثبت له أنه طاهر. المغني (1/43), والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/82).
التعليل قال: (لأن المنفصل بعض المتصل، والمتصل طاهر)، المنفصل وهو الماء غير المتغير بعض المتصل والمقصود بالمتصل العين التي طهرت (والمتصل طاهر)، فصار المنفصل عن الطاهر طاهر، وبالتالي يكون آخر غسلة زالت النجاسة بها إذا انفصل الماء غير متغير فطاهر، والتعليل ما ذكروه، والأقرب في هذه المسألة أنه يكون طاهرًا طهورًا، فهو طاهر بلا شك ولكنه طهور. شرح منتهى الإرادات (1/18), والمغني (1/43).
هذا القسم الثاني من الأقسام التي ذكر المؤلف –رحمه الله-من أقسام المياه، وهو الماء الطاهر وأكثر روايات الإمام أحمد –رحمه الله-أن الماء قسمان: طهور، ونجس ؛ لكن هذا التقسيم ما جرى عليه جمهور العلماء الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/33), والمبدع في شرح المقنع (1/22), وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/24)، والفروع وتصحيح الفروع (1/366)..