يقول –رحمه الله-: (النوع الثالث: النجس، وهو ما المشار إليه بقوله: (والنجس ما تغير بنجاسة)) الروض المربع (1/82).
النجس: هو ثالث الأقسام التي ذكرها المصنف –رحمه الله- وهو على نوعين:
النوع الأول: وقد عرفه بما يطرأ عليه، فقال: (ما تغير بنجاسة) وقال في الشرح: (قليلًا كان أو كثيرًا) فــ (ما تغير بنجاسة) أي ما تغير من الماء بنجاسة فيه، سواء قلّ التغير أو كثر، فإنه يكون بذلك نجسًا، وسواء كان الماء قليلًا أو كثيرًا، يعني عندنا الآن جانبان:
الأول: التغير إذا حصل في الماء بنجاسة، فإنه ينجس، سواء كان قليلًا أو كان كثيرًا ما دام أنه حصل التغير، ولا فرق أيضًا في قدر التغير، فإذا كان التغير قليلًا أو كثيرًا بالنجاسة، فإنه يكون بذلك نجسًا الفروع وتصحيح الفروع (1/82), والإقناع في فقه الإمام أحمد (1/8).
الثاني: التغير بطاهر، وهذا مما يخالف فيه التغير بالنجاسة، وقد تقدم قبل قليل أن الماء الطهور ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بطاهر بطبخ أو ساقط فيه، وقيد التغير بالكثير في صفة من صفاته لا اليسير.
أما هنا فإنه قال: (والنجس ما تغير بنجاسة) فيشمل قليل التغير وكثيره، ويشمل قليل الماء وكثيره، قد حكى الإجماع على أن الماء المتغير بنجاسة نجس ابن المنذر، كما قال: (وحكى ابن المنذر الإجماع عليه) أي نقل ابن المنذر الإجماع عليه، هذا هو النوع الأول من أنواع الماء النجس وهو ما تغير بنجاسة كشاف القناع عن متن الإقناع (1/38), وكشف المخدرات (1/44)، والمغني لابن قدامة (1/20).
والنوع الثاني: قال:((أو لاقاها) أي لاقى النجاسة (وهو يسير)) يعني والماء قليل، فخرج به الكثير، فإن الماء الكثير إذا لاقى نجاسة لا ينجس إلا أن يتغير كما سيأتي.
فقوله –رحمه الله-: (أو لاقاها) أي لاقى النجاسة (وهو يسير)) يعني والماء قليل (دون القلتين، فينجس بمجرد الملاقاة) شرح منتهى الإرادات (1/25), والمغني لابن قدامة (1/23).
قال: (ولو جاريًا) أي ولو كان الماء جاريًا، هذه إشارة للخلاف، فالمذهب: أنه لو كان الماء جاريًا، ووقعت فيه النجاسة، فإنه ينجس إذا كان الماء الجاري دون القلتين.
وأيضاً لو وقعت نجاسة في مجرى ماء ويجري الماء ويمر بهذه النجاسة، فإن كان دون القلتين فإنه ينجس، ولو لم يكن راكدًا.
ومثله الشلالات الصغيرة والعيون ومجاري المياه الصغيرة، فإنه ينجس الماء بملاقاة النجاسة إذا كان دون القلتين، ولا فرق في ذلك بين أن تكون نجاسة جامدة أو مائعة المغني (1/25), والكافي في فقه الإمام أحمد (1/34).
قال –رحمه الله-: لمفهوم حديث «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء» أخرجه ابن ماجه (517)، وأحمد (4803)، والدارمي (731) (إذا بلغ الماء قلتين) أي قدر قلتين (لم ينجسه شيء) أي لم يؤثر فيه شيء بالنجاسة، وهذا مبني على الغالب بأن الماء الكثير وهو ما بلغ القلتين فما فوق لا ينجسه شيء، أي لا تؤثر فيه نجاسة، فلا تقوى على تغيير لونه أو طعمه أو رائحته، فما كان دون ذلك فإنه يحصل التغيير غالبًا.
هذا ثاني أنواع أو أقسام أو أصناف الماء النجس التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-وهو الماء القليل الملاقي للنجاسة.
القسم الثالث قال فيه: ((أو انفصل عن محل نجاسة) متغيراً أو (قبل زوالها) فنجس)، فالماء المستعمل في إزالة النجاسة إذا انفصل عن محل النجاسة متغيرًا فهو نجس، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير. (أو قبل زوالها) أي قبل زوال النجاسة فيما إذا كان ضمن العدد الذي تزال به النجاسة هذا على القول بأن إزالة النجاسة تحتاج إلى عدد وهو المذهب، ولذلك قال: فما انفصل قبل السابعة فنجس بناء على ما ذهب إليه الحنابلة وغيرهم من أن إزالة النجاسة يحتاج إلى عدد من الغسلات وقرروا سبعًا، فقالوا: إذا كانت الماء منفصل قبل السابعة، الماء المنفصل في إزالة النجاسة قبل السابعة فهو نجس، أما السابعة فإن انفصل متغيرًا فإنه نجس، وإذا انفصل غير متغير فهو طاهر غير طهور ينظر كشاف القناع(1/36)، والمغني (2/70) ، كما تقدم قبل قليل في قسم الطاهر.
وقوله –رحمه الله-: (وكذا ما انفصل قبل زوال عين النجاسة) هذا إذا كانت العين باقية حتى بعد السبع.
قال: (ولو بعدها أو متغيرًا) يعني ولو بعد زوال العين، وكذا ما انفصل قبل زوال عين النجاسة، (ولو بعدها) أي ولو بعد زوال العين إذا كان ضمن العدد، فنجس أو متغيرًا المغني (2/73).
إذًا هذا رابع ما ذكره المؤلف من أنواع النجاسة نعيدها إجمالًا:
الأول: ما تغير بنجاسة.
الثاني: الماء الذي لاقى نجاسة وهو قليل.
الثالث: ما انفصل عن محل النجاسة متغيرًا.
الرابع: ما انفصل عن النجاسة قبل زوالها فنجس.
وبعد أن فرغ المؤلف –رحمه الله-من ذكر أنواع الماء النجس بذكر أنواعه وصوره، انتقل إلى طرق تطهير الماء النجس.
يقول –رحمه الله-: (فإن أضيف إلى الماء النجس) الروض المربع (1/83) هذا شروع في ذكر طرق تطهير الماء النجس على المذهب باعتبار نوع النجاسة ينقسم إلى قسمين: أو إلى طريقين:
الطريق الأول: تطهير الماء النجس على المذهب يختلف باختلاف نوع النجاسة المغني لابن قدامة(1/27) ، وهذا التقسيم وافق فيه الحنابلة الشافعية.
والطريق الثاني: وهو رواية في مذهب الإمام أحمد أنه لا فرق بين النجاسات في التطهير، فجميعها على نحو واحد.
تبين هذا من خلال قراءة ما ذكره المؤلف من تقسيم، إذًا طرق تطهير الماء النجس على المذهب على قسمين باعتبار نوع النجاسة:
النوع الأول: تطهير الماء النجس إذا تنجس بغير بول الآدمي وعذريته.
وفي تطهير هذا النوع ذكر المؤلف –رحمه الله-طرقًا:
الطريق الأول: الإضافة أن يضاف إلى الماء النجس طهور كثير غير تراب ونحوه.
الطريق الثاني: زوال النجاسة بنفسها.
الطريق الثالث: النزح زاد المستنقع ص (26).
هذه ثلاثة طرق في تطهير الماء النجس إذا كانت النجاسة من غير بول الآدمي وعذريته المائعة.
يقول: (فإن أضيف إلى الماء النجس قليلاً كان أو كثيراً) الروض المربع ص(13) يعني الماء النجس سواء كان قليلًا دون القلتين أو كان كثيرًا وغيرته النجاسة (طهور كثير) وهو ما زاد عن القلتين.
وذكر طرق الإضافة (بصب أو إجراء ساقية إليه ونحو ذلك طهر) يعني لا يلزم أن تكون إضافة دفعة واحدة، بل لو كانت متتابعة بصب أو إجراء ساقية ؛ لأن هذا القدر المضاف يدفع النجاسة عن نفسه وعما اتصل به، هذا التعليل.
هذا هو القسم الأول أو الطريق الأولى من طرق تطهير الماء النجس إذا كانت النجاسة غير بول الآدمي وعذريته.
قال: (غير تراب ونحوه) يعني إذا أضيف طهور، لما قال: (طهور) الطهور يطلق على: الماء وعلى التراب ؛ فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-في التراب «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» أخرجه البخاري (438)، ومسلم (521) وفي رواية أبي ذر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «التراب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» رواه أحمد (21408)، وأبو داود (332)، والنسائي (322)، والترمذي (124) وصححه، وكذا صححه ابن حبان (1311)، والحاكم (627). انظر: البدر المنير (2/650) فالمقصود لما كان الماء طهورًا احتاج إلى استثناء، فقال: (غير تراب) فإنه لا يدخل في قوله:(طهور) (ونحوه) أي ونحو التراب فلا يطهر به نجس ؛ وذلك أن التراب نفسه إذا أصابته نجاسة احتاج إلى تطهير ولو كان شيئًا يسيرًا، فإذا كان التراب يحتاج إلى تطهير، فإنه لا ينفع أن يكون مطهرًا، فلو أضيف على ماء نجس تراب كثير أو قليل، فإنه لا يزيل النجاسة بذلك، أي لا ترتفع النجاسة عن الماء بالتراب، فلو أضفنا ترابًا إلى ماء نجس فزالت النجاسة، فإنه لا يطهر.
والتعليل ما ذكرناه من أن التراب لا يدفع النجاسة عن نفسه، فعن غيره من باب أولى. والصواب: أن التراب إذا أضيف وزالت النجاسة، فإنه يفيد تطهير الماء النجس ؛ لأن الطهور هو وصف متى وجد بأي سبب كان، فإنه يثبت حكمه.
ولذلك قالوا في النوع الثاني: من أنواع تطهير الماء النجس قال: (أو زال تغير الماء النجس الكثير بنفسه)، فإذا زال بنفسه فزواله بالتراب يثبت الحكم.
قال: (أو زال تغير الماء النجس الكثير بنفسه من غير إضافة) أي من غير إضافة ماء طهور (ولا نزح) أي ولا نزح من هذا الماء لإزالة ما يكون من النجاسة، والمقصود بالنزح الإخراج والإزالة.
قال –رحمه الله-: ((أو نزح منه) أي من النجس الكثير (فبقي بعده)، أي بعد المنزوح (كثير غير متغير طهور))، هذا القسم الثالث أو الطريق الثالث من طرق تطهير الماء النجس، ولاحظ أن الماء النجس من حيث التطهير له حالان المغني (1/27), والمبدع في شرح المقنع (1/39):
الأولي: إن كان قليلًا فلا بد من صب طهور كثير تزول به النجاسة.
الثانية: إن كان كثيرًا، فإنه إن زال بنفسه أو بنزح النجاسة عنه حتى عاد غير متغير، فإنه يطهر إذا بقي بعد ذلك كثير. وهذا مبني على قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» أخرجه أبو داود (63)، والترمذي (67)، والنسائي (52).
قال –رحمه الله-: (والمنزوح الذي زال مع نزحه التغير طهور إن لم تكن عين النجاسة به) المنزوح يعني المزال المخرج من الماء الكثير الذي تغير بالنجاسة إذا زالت عنه النجاسة إذا زال عنه التغير بالنجاسة فهو طهور، واشترط لذلك إن لم تكن عين النجاسة به، فإن كانت عين النجاسة به فيبقى نجس على ما أفاده كلام المؤلف المغني (1/27), والمبدع في شرح المقنع (1/40).
قال: (وإن كان النجس قليلًا أو كثيرًا مجتمعًا من متنجس كثير، فتطهيره بإضافة كثير مع زوال تغيره إن كان) ، وإن كان النجس ـ أي الماء النجس ـ قليلًا أو كان كثيرًا مجتمعًا من متنجس يسير ـ يعني اجتمع هذا من متنجس يسير ـ فتطهيره بإضافة كثير مع زوال تغيره إن كان.
هذا يشبه أن يكون رجوعًا إلى الصنف الأول من أصناف تطهير وهو التطهير بالإضافة، لكن هو يتكلم عما اجتمع من الماء المنزوح أو الماء الذي استعمل في تطهير نجاسة المغني (1/27), والمبدع في شرح المقنع (1/39).
قال: (ولا يجب غسل جوانب بئر نزحت للمشقة) لا يلزم أن يغسل جوانب البئر لما في ذلك من مشقة الإقناع في فقه الإمام أحمد(1/9)، وشرح منتهى الإرادات(1/23). ولأنه لم يأتي الأمر به هذا هو القسم الأول من أقسام طرق تطهير النجاسة باعتبار نوع النجاسة، القسم الأول: إذا لم تكن النجاسة من بول الآدمي وعذريته.
أما القسم الثاني: فهو إذا كانت النجاسة من بول آدمي أو عذريته، ولذلك قال: (تنبيه:) وهو لفت نظر لنوع من الاستدراك على ما قد يفهم مما تقدم أو يغفل عنه في كلام سابق فقال: (تنبيه: محل ما ذكر إن لم تكن النجاسة بول آدمي أو عذريته فتطهير ما تنجس بهما من الماء، إضافة ما يشق نزحه إليه أو نزح يبقى بعده ما يشق نزحه أو زوال تغير ما يشق نزحه بنفسه) هذه ثلاثة طرق لتطهير الماء المتنجس ببول آدمي أو عذريته ولو كان كثيرًا أو قليلًا (إضافة ما يشق نزحه إليه) يعني إضافة ما يشق نزحه من الماء إلى الماء المتغير ببول آدمي أو عذريته قليلًا كان أو كثيرًا، إذا كان كثيرًا شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/133).
وإما إذا كان قليلاً فهو يتنجس تغير أو لم يتغير، (أو نزح يبقى بعده ما يشق نزحه)، يعني ينزح منه ويزال ويذهب التغير، ويبقى بعد ذلك ما يشق نزحه أو زوال تغير ما يشق نزحه بنفسه، وهذا يختلف عن السابق أن هناك لم يشترط في زوال التغير أن يكون مما يشق نزحه، بل قال: (زال تغير النجس الكثير) ولو لم يشق نزحه لكن في بول الآدمي وعذريته اشترط أن يكون مما يشق نزحه ليستفيد الطهارة بالتغير دون إضافة أو نزح أن يكون زوال النجاسة بنفسه الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/9), وكشاف القناع على متن الإقناع (1/40).
قال: (على قول أكثر المتقدمين ومن تبعهم على ما تقدم) هذا إشارة إلى أن هذا التفريق مبنى على ما تقدم من التفريق بين بول الآدمي وعذريته وسائر أنواع النجاسات الفروع وتصحيح الفروع (1/85)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/40).
والصواب: ـ والله تعالى أعلم ـ أنه لا مستند لهذا التفريق وأن تطهير الماء النجس لا فرق فيه بين أن تكون النجاسة من بول آدمي وعذريته أو من غيرهما.
ومستندهم في التفريق نهي النبي –صلى الله عليه وسلم-:"عن البول في الماء الدائم" أخرجه البخاري (239)، ومسلم (282) فقالوا: إنه لما نهى عن البول في الماء الدائم دل على خصوصية بول الآدمي وعذريته، وهي أغلظ من النجاسات.
والصواب: أن الاستدال بالحديث فيه أمران:
الأمر الأول: أن النص على بول الآدمي في الحديث ليس لخصوصيته التي يفارق بها سائر النجاسات، بل لكونه غالب وكثير، ومعلوم أن ما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له لا يثبت الحكم له دون غيره، ولا يفيد تخصيص الحكم به دون غيره، بل يكون الحكم له ولغيره، لأنه خرج مخرج الغالب.
الأمر الثاني: أنه من حيث المعنى جاء في نجاسة غير الآدمي ما لم يأتي في نجاسة الآدمي ففي نجاسة غير الآدمي قال –صلى الله عليه وسلم-: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا إحداهن بالتراب» أخرجه البخاري (172)، ومسلم(279) وهذا ما جاء في بول الآدمي، فدل ذلك على أن النجاسة، نجاسة بول الآدمي كغيره لا تتميز عن غيره بشيء، والنص عليها كان كما تقدم خرج مخرج الغالب.