ولذلك قال ابن فارس المصباح المنير (1/320)، ومجمل اللغة لابن فارس ص (599): الظن يكون شكًا ويكون يقينًا، يطلق الظن على الشك، ويطلق الظن على اليقين، فالشك: اسم جامع لكل ما عدا اليقين، والمراد بالشك هنا كل ما خرج عن اليقين.
فقوله –رحمه الله-: (وإن شك في نجاسة ماء) يشمل الشك والظن، أخرج بعض الفقهاء من هذا غلبة الظن، فقالوا: غلبة الظن خارجة عن هذا الكلام عن معنى قوله: (شك في نجاسة ماء أو غيره) وظاهر كلام المؤلف شمول الشك لما استوى طرفاه وللظن بدرجاته ما لم يصل إلى اليقين.
قال: (وإن شك في نجاسة ماء أو غيره) من الطاهرات) شك هل هو طاهر أو نجس أو شك في طهارته يعني شك في طهارة ماء نجس، عندنا الآن شك في نجاسة ماء أي شك في طروق النجاسة على ماء أو شك العكس في طهارة ماء أي كان الماء نجسًا وشك في حصول الطهارة بسبب من أسباب التطهير.
(بنى على اليقين) أي ترك الشك وطرحه واعتمد اليقين السابق على الشك الفروع لابن مفلح (1/93)، والشرح الكبير)) لابن قدامة (1/46) ، ففي مسألة إذا شك في نجاسة ماء أو غيره فاليقين ما كان عليه سابقًا، ولذلك قال: (بنى على اليقين) الذي علمه قبل الشك)، فإذا كان يعلم الطهارة استمسك بها، وإذا كان يعلم النجاسة وطرأ عليك الشك، فعند ذلك يستمسك بالأصل وهو بقاء النجاسة، ولذلك قال: (بنى على اليقين) الذي علمه قبل الشك، ولو مع سقوط عظم أو روث شك في نجاسته)؛ يعني في الماء (لأن الأصل بقاؤه على ما كان عليه) الشرح الكبير لابن قدامة (1/46، 47)، والممتع في شرح المقنع (1/109).
ثم قال: (وإن أخبره عدل) انتقل إلى ما ينتقل به عن اليقين (بنجاسته وعيّن السبب) يعني سبب النجاسة (لزم قبول خبره) الفروع وتصحيح الفروع (1/94)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/46) فلا ينتقل عن اليقين بالشك، وإنما ينتقل عن اليقين بيقين، علمه قبل طرق الشك أو بخبر عدل وهو المستقيم في دينه المستعمل للمروءة بأنه نجس ولكن في الخبر قال: (وعين السبب) يعني وذكر سبب التنجيس ؛ لاحتمال أن يظن شيئًا أنه سبب للنجاسة والأمر على خلاف ذلك.
فقال: لا بد من تعيين سبب (وعين السبب) أي عين المميز العدل المكلف السبب الذي تنجس به، فإن لم يعين السبب بأن قال: هذا ماء نجس أو هذا ماء تنجس، وهو يعلم طهارته، لم يلزمه قبول خبره ؛ لما تقدم من أنه يحتمل أن يكون يعتقد التنجيس بما ليس منجسًا أو يحتمل وهمه فلا يكون يقين، ولا يكون لديه من القوة ما يرتفع به اليقين، هذه المسائل كلها يجري فيها قاعدة واحدة، ولذلك نذكر الرجح في نهاية ما ذكر من مسائل كشاف القناع (1/46)، والشرح الكبير لابن قدامة (1/48).
الاشتباه ذكر فيه جملة من الصور:
الصورة الأولى: والتي بدأ بها قال –رحمه الله-: (وإن اشتبه طهور بنجس) أي اشتبه على المكلف ماء طهور بنجس، فلم يميز أيهما طهور وأيهما نجس، وهذا غالبًا يكون فيما لم يحصل فيه تغير في الماء في أوصافه أو في أحدها بسبب ما وقع فيه من النجاسة، تكون نجاسة غير مؤثرة.
إلا أن المؤلف قيد تحريم الاستعمال بقوله: (إن لم يمكن تطهير النجس بالطهور)، بأن يكون الماء إذا أمكن صب أحدهما في الآخر يكون قلتين.
قال: (فإن أمكن) وبين طريقة الإمكان (بأن كان هذا الطهور قلتين فأكثر وكان عنده إناء يسعهما وجبا خلطهما واستعمالها) وهذا في الحقيقة يأتي فيما إذا كان الماء الطهور قلتين فأكثر ففي هذه الحال إذا صبه على النجس الذي اشتبه بالطهور يكون الماء في هذه الحال لا يحمل الخبث ينظر الفروع وتصحيح الفروع (1/95)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/134).
قال: (ولم يتحر) أي في هذه الصورة لا يجوز استعمال الماء المشتبه فيه الطهور بالنجس، لأنه قال: (أي لم ينظر أيما يغلب على ظنه أنه الطهور فيستعمله)، والعلة في ذلك أنه لا يتمكن من تجنب النجس إلا بترك الطاهر، فلذلك لم يتحر.
واختار بعض أهل العلم: أنه يتحرى مطلقًا سواء زاد عدد الطهور أو كان دون النجس بأن كانت أنية متعددة، أو لم تكن كذلك أنه يتأول، فإن كانا إناءين يتحرى ويعمل بما ينتج عن تحريه ؛ لكن المذهب أنه لا يتحرى مطلقًا ولو كان عدد الآنية كثيرًا.
قال: (ولا يشترط للتيمم إراقتهما ولا خلطهما) الفروع وتصحيح الفروع (1/95)، والكافي في فقه الإمام أحمد (1/38)لأن وجودهما كالعدم فوجدوهما عدم حكمي قال: (لأنه غير قادر على استعمال الطهور، أشبه بما لو كان الماء في بئر لا يمكن الوصول إليه، وكذا لو اشتبه مباح بمحرم، فيتيمم) يعني اشتبه ماء مباح بمحرم، ففي هذه الحال يتركهما لأنه لا يمكن تجنب المحرم إلا بترك المباح.
قال: (فيتيمم إن لم يجد غيرهما) وتحريم الإباحة وصف خارج عن الماء، فمنعه لأجل أمر خارج عن صفة الماء من حيث الطهورية وعدمها.
النوع الثاني من الاشتباه: قال: (وإن اشتبه) طهور (بطاهر)اشتبه ماء طهور بطاهر (أمكن جعله طهورًا به أم لا) سواء كان يمكن جعله طهور بإضافته أم لا (توضأ منهما وضوءًا واحدًا) ولو مع طهور بيقين) ولو وجد طهور متيقن (من هذا غرفة ومن هذا غرفة)، يعني من الطهور الإناء الطهور غرفة، ومن الإناء الطاهر غرفة (ويعم بكل واحد من الغرفتين المحل) (وصلى صلاة واحدة) العدة شرح العمدة ص (16)، والوجيز في الفقه ص (48).
(قال في المغنيالمغني (1/46) والشرحالشرح الكبير على المقنع (1/137): بغير خلاف نعلمه) لأنه يكون قد أتى بماء أمر به بالطهارة.
قال: (فإن احتاج أحدهما للشرب) يعني لا يتمكن من استعمالهما جميعًا لحاجته إلى الشرب شرب أحدهما (تحرى وتوضأ بالطهور) يعني الذي يغلب على ظنه أنه طهور يتحرى هذا معنى قوله: (فإن احتاج أحدهما للشرب تحرى) أي طلب الأحرى بالصواب، الأحرى بكونه طهورًا (وتوضأ بالطهور عنده) الذي نتج عن تحري (وتيمم) احتياط (ليحصل له اليقين) شرح العمدة ص (85)، والمبدع في شرح المقنع (1/44).
المسألة الثالثة: التي ذكرها من صور الاشتباه، وهي في الحقيقة لا علاقة لها بمسائل المياه ؛ بل هي مما يتصل بستر العورة في الصلاة: (وإن اشتبهت ثياب طاهرة ب) ثياب (نجسة)ووجه الاستطراد هنا أن الطهارة تطلب في الصلاة في البدن وفي الثياب وفي البقعة، فذكر ما يتعلق بالبدن في القسمين الأولين من الاشتباه إذا اشتبه ماء طهور بنجس، وإن اشتبه طهور بطاهر.
القسم الثالث من الاشتباه: اشتباه ثياب طاهرة بثياب نجسة، هذا يتعلق باللباس فذكره استطراد ليستكمل ما يتعلق باشتباه النجاسة في البدن وفي الثوب وفي البقعة.
قال –رحمه الله-: (وإن اشتبهت ثياب طاهرة ب) ثياب (نجسة) يعلم عددها، (أو) اشتبهت ثياب مباحة (ب) ثياب (محرمة)كالمغصوبة مثلا (يعلم عددها (صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس) من الثياب)، فإذا كان عنده ثلاثة ثياب اثنان منها نجس وواحد طاهر، قال: (صلى في كل ثوب بعدد النجس) من الثياب المحرمة منها ينوي بها الفرض احتياطًا كمن نسي صلاة من يوم) هذا استطراد فيما يتعلق من باب ذكر القياس، فيصلي في الثياب المشتبهة بالنجاسة يتحرى العدد عدد الثياب النجسة يحصيها ويصلي بعددها ويزيد صلاة المغني لابن قدامة (1/47)، والشرح الكبير (1/139), والفروع وتصحيح الفروع (1/100).
قال –رحمه الله-: ((وإن اشتبهت ثياب طاهرة ب) ثياب (نجسة) يعلم عددها، (أو) اشتبهت ثياب مباحة (ب) ثياب (محرمة) يعلم عددها؛ (صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس) من الثياب أو المحرم منها، ينوي بها الفرض احتياطا، كمن نسي صلاة من يوم، (وزاد) على العدد (صلاة)؛ ليؤدي فرضه بيقين)، فإذا كان عنده عشرة ثياب يشك في نجاسة اثنين منها كم يصلي صلاة؟ يصلي بعدد النجس صلاتين ويزيد صلاة بثوب ثالث ؛ ليتقين أنه صلى بثوب طاهر الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (2/355)، والمغني لابن قدامه (1/47).
قال –رحمه الله-: (كمن نسي صلاة من يوم) يعني أنه إذا نسي صلاة من يوم، المذهب: أنه يصلي صلاة اليوم كاملًا يصلي خمس صلوات، فإن نسي صلاةً من يوم الجمعة أو من يوم السبت يصلي خمس صلوات ؛ ليصيب الصلاة التي نسيها وهذا أحد الأقوال في المسألة ينظر المغني (1/45)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (3/194).
قال: ((وزاد) على العدد (صلاة)؛ ليؤدي فرضه بيقين، فإن لم يعلم عدد النجسة أو المحرمة، لزمه أن يصلي في كل ثوب صلاة حتى يتقين أنه صلى في ثوب طاهر، ولو كثرت) العدة شرح العمدة ص (16)، والمبدع في شرح المقنع (1/45), وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/49) وهذا فيه مشقة، يعني لو عنده مائة ثوب ولا يدري كم من نجس يصلي مائة صلاة، ولا تصح في ثياب مشتبهة مع وجود طاهر يقينًا إذا كان عنده ثوب يتيقن طهارته، ففي هذه الحال لا يعدل عنه، بل يصلي في الثوب الذي يتقين طهارته ولا يفعل كما تقدم فيما يتعلق بالماء الطاهر.