الطهارة من الروض المربع

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 52

التاريخ : 2025-10-19 10:25:24


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: (باب الآنية) وتقدير الكلام هذا باب الآنية، فــ(باب) خبر مبتدأ محذوف.

وقوله: (الآنية) عرفها بقوله: (هي الأوعية جمع إناء)، أما الأواني فهي جمع الجمع شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/151), والمبدع في شرح المقنع (1/45).

قال –رحمه الله-: (لما ذكر الماء ذكر ظرفه) هذا بيان مناسبة هذا الباب لما قبله، وأنه جاء بباب الآنية بعد ما يتعلق بالمياه ؛ لأن المياه لا بد لها في الغالب من ظرف، وهو الأواني فاحتاج إلى بيان أحكامها.

بدأ –رحمه الله-في تقرير الأصل في الأواني فقال: (كل إناء طاهر (ولو ثمينًا) كجوهر وزمرد (يباح اتخاذه واستعماله)) الكافي في فقه الإمام أحمد (1/44)، والشرح الكبير على المقنع (1/143).

يقول الشارح: (كالخشب والجلود والسفر والحديد) هذا مثال لقوله: (إناء طاهر).

وقوله –رحمه الله-: (طاهر) خرج به النجس فإنه لا يشمله ما سيذكره من الأحكام، وسيبين ما يتعلق به.

وقوله: (ولو ثمينًا) استدراك، وهو إشارة إلى الخلاف، فقوله: (ولو) إشارة إلى الخلاف في قول بعض الحنابلة ينظر الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/143) من أنه إذا كان الإناء ثمينًا فيختلف حكمه عما قرر في قوله: (يباح اتخاذه واستعماله)، (ولو) تأتي في كلام الفقهاء عمومًا الحنابلة وغيرهم لمعاني:

منها: الإشارة إلى الخلاف.

ومنها: دفع التوهم.

وهي في الأصل حرف امتناع الامتناع ؛ لكن فيما يتعلق بتطبيقها في مثل هذا السياق قد يعثر تنزيل هذا المعنى، لكن هي في المعنى ما ذكرت من كونها للاستدراك.

قال –رحمه الله-: (ولو ثمينًا كجوهر وزمرد) أي ولو كان ذا ثمن عال كجوهر وزمرد، الخبر (يباح اتخاذه واستعماله) هذا خبر المبتدأ المتقدم في قوله: (كل إناء طاهر... ولو ثمينًا)، فقوله: (كل) مبتدأ خبره (يباح اتخاذه واستعماله)، (يباح) أي يحل اتخاذه واستعماله.

قال: (بلا كراهة) فعلم أن الاستدراك في قوله: (ولو ثمينًا) الخلاف ليس في الإباحة، إنما في الكراهة، فذهب بعض الحنابلة: إلى أن الإناء الطاهر الثمين يكره اتخاذه واستعماله إلحاقًا له بالذهب والفضة، فالاستدراك في قوله: (ولو ثمينًا) ليس من الإباحة إنما من مطلق الإباحة ويقابلها الكراهة والتحريم والمقصود هنا الكراهة لا التحريم الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/80).

قال –رحمه الله-: (غير جلد آدمي وعظمه فيحرم) هذا استثناء من العموم الذي أفادته الجملة السابقة (كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله)، استثنى جلد الآدمي وعظمه المبدع في شرح المقنع (1/45), والإقناع في فقه الإمام أحمد (1/12).

قال: (فيحرم) أي يحرم اتخاذه واستعماله كآنية ونحوها، وهذا محل اتفاق قال في الفروع: إجماعًا. وعللوا ذلك بحرمة الآدمي وقيل: لنجاسته والصواب التعليل الأول وهو أن تحريم اتخاذ الآنية من جلد الآدمي وعظمه الفروع في تصحيح الفروع (1/114), والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/172) ؛ لأن (كسر عظم الميت ككسره عظم الحي) أخرجه أبو داود (3207)، وابن ماجه (1616)، وأحمد (24739) ودليل هذا الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-الأصل في الأشياء الحل والإباحة هذا من حيث الأصل ولأن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم-ورد عنه أنه استعمل في الآنية صنوفًا من الأواني من الجلود وغيرها، فدل ذلك على ما ذكر المؤلف –رحمه الله-من أن (كل إناء طاهر ولو ثمينًا يباح اتخاذه واستعماله).

وفرق المؤلف –رحمه الله-بين الاتخاذ والاستعمال فذكر نصا الاتخاذ وذكر الاستعمال، والفرق بينهما أن الاتخاذ اقتناء والاستعمال انتفاء، وقد يباح اقتناء الشيء دون استعماله، أما إذا أبيح الاستعمال فهو دليل على إباحة الاقتناء، ولذلك نص عليهما إشارة إلى التفريق بين الاتخاذ والاستعمال في الحكم كشاف القناع عن متن الإقناع (1/51).

وقوله: (إلا آنية ذهب وفضة ومضبب بهما) شرع في بيان ما يحرم من الآنية، وذكر أول ما ذكر من الآنية التي يحرم استعمالها واقتنائها آنية الذهب والفضة.

فقوله: (إلا) استثناء من المذكور سابقًا وهو الإباحة في الاتخاذ والاستعمال، فلا يباح اتخاذ آنية ذهب وفضة مضبب بهما، ولا يباح استعمال آنية ذهب وفضة ومضبب بهما، وآنية الذهب والفضة هي الآنية المتخذة من هذين المعدنيين؛ معدن الذهب، ومعدن الفضة.

وقوله: (ومضبب بهما) التضبيب: هو سد ما يكون من الفتوق والشقوق في الإناء، وهذا نوع من إدخال الذهب والفضة في الآنية بالتضبيب ويستعمل لهذا، وقد يستعمل لغيره فقد يستعمل لنوع من التزيين أو التجويد للإناء ونحو ذلك شرح منتهى الإرادات (1/29), ومطالب أولي النهي (1/57).

وقوله: (أو بأحدهما) يعني لو كان التضبيب بواحد منهما وليس بمجموعهما غير ما يأتي إشارة إلى ما يستثنى من التضبيب الذي سيأتي ذكره وبيان قيوده.

وقوله: (وكذا) يعني ومثل المضبب بهما المموه والمطلي والمطعم والمكفت بأحدهما، وهذه أسماء لأعمال تكون في الآنية وأشغال تجري على الآنية يدخل بها في الإناء ذهب أو فضة، فالتمويه والطلاء والتطعيم والكفت في معنى واحد الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/150), وكشاف القناع (1/52) ، وهو إدخال الذهب والفضة في الإناء من جهة النتيجة، وإن كان التمويه قد يختلف عن الطلاء وعن التطعيم وعن الكفت في حقيقة ما يكون بكل واحد من هذه الأمور:

فالتمويه: قيل: إنه يذاب الذهب والفضة ويلقى الإناء فيما أذيب من ذهب وفضة.

والطلاء: يختلف عن ذلك بكون الذهب والفضة يجعل في الإناء بالطلاء.

وأما المطعم: فالمطعم هو إدخال الذهب والفضة في الإناء بنوع من العمل كخطوط ونحوها من الزخارف الملحقة بالإناء، وكذلك الكفت والفرق بين الكفت والتطعيم هو في صفة إدخال الذهب والفضة في الإناء الفروع وتصحيح الفروع (1/108).

وعلى كل حال المقصود آنية الذهب والفضة وما أدخل فيه ذهب وفضة على أي صفة كان بتمويه أو طلاء أو تطعيم أو كفت قال: (فإنه يحرم) ولم يذكر في ذلك قيداً، يعني لو كان التمويه والطلاء والتطعيم والكفت قليلًا.

قال: (فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها) (يحرم اتخاذها) يعني اقتنائها وعلل ذلك قال: (لما فيه من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء) وهذه تعليلات لها وجه وأقوى منها كلها أن الاتخاذ وسيلة للاستعمال الكافي في فقه الإمام أحمد (1/45)، والمغني (1/56).

ولذلك لما حرم الله ـ تعالى ـ الخمر أمر باجتنابها، فقال: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾[المائدة: 90] فالاجتناب يقتضي أن يكون الشيء في جانب والمأمور في جانب آخر، وهذا يقتضي المباعدة والمفارقة، فالذي يظهر أن من علل منع الاتخاذ هو أنه وسيلة للاستعمال، وما كان وسيلة لمحرم فهو محرم.

قوله –رحمه الله-: (واستعمالها في أكل وشرب وغيرهما) يعني في كل أوجه الاستعمال، لا يقتصر هذا على الطهارة، وهذا في الحقيقة خروج عن محل البحث في هذا الباب، لأن المقصود بيان الآنية المستعملة في الطهارة، لكن بين هنا أن المنع من الاستعمال لا يقتصر فقط على الطهارة، بل يشمل الأكل أو الشرب وغيرهما المغني (1/56), وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/158).

قال: (ولو على أنثى) هذا نوع ثاني من أنواع استعمال (لو) في كلام الفقهاء، وهو دافع التوهم وذلك أن الأنثى يباح لها في الذهب والفضة ما لا يباح للذكر، فقد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه قال في الذهب كما جاء في حديث علي: «حل لإناث أمتي»، وجاء نظيره عن أبي موسى ففي المسند من حديث أبي موسى الأشعري قال «رفع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حريرًا بيمينه وذهبًا بشماله فقال: أحل لإناث أمتي وحرم على ذكورها» أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (22/ 97) (234) وهذا بيان أن للمرأة في الحلي في الذهب يلحق به الفضة من باب أولى خصوصية فهي أوسع في الاستعمال.

لذلك احتاج إلى أن يبين أن الحكم هنا يشمل الذكر والأنثى، وجه ذلك عموم الأخبار، قال: (لعموم الأخبار وعدم المخصص) أي الواردة في شأن الذهب والفضة، (وعدم المخصص) أي عدم ما يخرج الذهب والفضة من هذا العموم.

يقول –رحمه الله-: (وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن للتزين للزوج) وهذا بيان علة الاستثناء وليس دليل الاستثناء، وقد يقتصر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في سياق كلامهم على ذكر العلة دون ذكر الدليل للإشارة إلى معنى إضافي، وإلا فما يتعلق بالحل واضح فيما جاءت به النصوص، وإنما اقتصر على ذكر التعليل لبيان الفارق هو يشير لماذا أحل لهن في التحلي ومنع من الاستعمال والاقتناء في الآنية؟

قال في الفارق: (لحاجتهن إلى التزين للزوج) المغني (1/57), والشرح الكبير على متن المقنع (1/58).

قال –رحمه الله-: (وكذا الآلات كلها) في الحكم واحد في أن الرجال والنساء فيهن سواء (كالدواة والقلم والقنديل والمجمرة والمدخنة حتى الميل ونحوه) أي يدخل في ذلك الميل وهو ميل المكحلة ونحوه من الأشياء الزهيدة الدقيقة هذا ما يتصل بذكر ما لا يباح استعماله من الآنية.

وفيما يتعلق بالمموه والمطلي إذا كان الطلاء والتمويه يحصل من إذابته أو حكه ذهب أو فضة فإنه كما ذكر المؤلف –رحمه الله-أما إذا كان لم يحصل شيء من ذهب أو فضة لو أذيب أو حك فإنه في هذه الحال لا يدخل فيما جاء النهي عنه من آنية الذهب والفضة، لأن ما فيه من ذهب أو فضة لا يحصل منه شيء المغني (1/57) ، فهو في حكم المستهلك، ولم يذكر المؤلف –رحمه الله-الدليل ما قدم من حكم، وهو سيذكر ذلك في نهاية البحث وقد جاء ذلك في جملة من الأحاديث منها حديث حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَشْرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ولَا تَأْكُلُوا في صِحَافِهَا؛ فإنَّهَا لهمْ في الدُّنْيَا، ولَنَا في الآخِرَةِ» أخرجه البخاري (7556)، ومسلم (17) ، وهذا نص على الأكل والشرب وهو شامل لكل أوجه الاستعمال الأخرى، وإنما ذكر الأكل والشرب ؛ لأنها الغالب في أوجه الاستعمال، والإجماع منعقد على النهي عن الأكل والشرب لورود النص، أما في غير الأكل والشرب، فهو ما ذهب إليه جماهير العلماء فجعلوا غير الأكل والشرب ملحقًا بالأكل والشرب مطالب أولي النهي (1/56) ، وذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم-علل بعلة تشمل أوجه الاستعمال كلها حيث قال: "فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" أخرجه البخاري (7556)، ومسلم (17) ، فيدخل فيه ما يكون من أوجه الاستعمال في غير الأكل والشرب.

إذًا شمول النص لسائر الأوجه غير الأكل والشرب من جهتين:

الجهة الأولى: أن ذكر الأكل والشرب في الحديث خرج مخرج الغالب وما كان كذلك لا يتقيد الحكم به، لأنه ليس له مفهوم مخالفة.

والجهة الثانية: أن غير الأكل والشرب من أوجه الاستعمال يتحقق فيه ما ذكر من علة المنع وما ذكره الفقهاء من الصرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وتقييد النقدين وغيرها من العلة التي ذكروها، والنص هنا نص على علة جامعة، وهي أن للكفار في الدنيا ولأهل الإيمان في الآخرة، هذا ما يتعلق بما ذكره المؤلف –رحمه الله-من تحريم اقتناء واستعمال آنية الذهب والفضة المغني (1/56), والمبدع في شرح المقنع (1/47).

  

 

قال –رحمه الله-: (وتصح الطهارة منها) أي من الآنية المحرمة) وقد ذكر نوعين من الآنية؛ آنية الذهب والفضة، وما كان مضببًا بهما على وجه محرم يقول: (تصح الطهارة منها) أي كونها آنية محرمة لا يمنع من صحة الطهارة قال: (وكذا الطهارة بها وفيها وإليها) الفروع وتصحيح الفروع (1/103), والإقناع في فقه الإمام أحمد (1/13).

(الطهارة منها) أي أن يوضع الماء فيها ويستعمل (وكذا الطهارة بها وفيها وإليها) يعني على أي وجه كان التطهر سواء بالصب منها أو بالانغماس فيها أو بكونها واسطة لحصول الماء أو بكونها مجرى لما يكون مما يتطهر به، فجميع أوجه استعمال آنية الذهب والفضة والآنية المحرمة في الطهارة لا يمنع صحتها شرح منتهى الإرادات (1/28).

والعلة في ذلك أن النهي عن الاتخاذ منفك عن حصول المقصود بالاستعمال من الطهارة  فإن الطهارة تحصل بجريان الماء على أعضاء الطهارة، وهذا لا علاقة له بالإناء، بمعنى أن الطهارة حصلت بالفعل، وهو جريان الماء على العضو المراد تطهيره، وكون الإناء محرمًا لا ينجر أثره أو لا ينعكس أثره على الطهارة.

قال: (وكذا آنية مغصوبة) أي وفي الحكم نفسه من جهة تحريم الاستعمال مع صحة الطهارة الآنية المغصوبة، وهي ما أخذ من صاحبه قهرًا بغير حق من أي نوع كانت الآنية المغني (1/56).

  

ثم قال: (إلا ضبة) استثناء من آنية الذهب والفضة وسيبين الآن قيود الاستثناء، قال: (إلا ضبة يسيرة) عرفاً لا كبيرة (من فضة) لا ذهب (لحاجة) هذه قيود الإباحة في جواز الآنية المضببة بالفضة تقدم في تقرير المؤلف في الاستثناء قال: (إلا آنية ذهب وفضة ومضبب بهما) يعني بذهب وفضة، فالاستثناء من قوله: (ومضبب بهما) قال: (إلا) استثناء مما تقدم (إلا ضبة يسيرة من فضة لحاجة) فعلم أن الاستثناء يتعلق بأحد المعدنين وهو الفضة دون الذهب، فالضبة من الذهب لا تحل وليست داخلة في البحث الإقناع في فقه الإمام أحمد ابن حنبل (1/13)، وشرح منتهى الإرادات (1/29).

وقوله: (ضبة) علم أن ما في الإناء شيء يسير، شيء ليس غالبًا في الإناء، لأن الضبة لا تكون أكثر الإناء إنما تكون أقله، ولما احتمل أن تكون كثيرة ؛ قيده بقوله: (يسيرة) ولأن الضبة في أصلها معالجة للإناء بتلحيم ونحوه مما يعالج به شقوق الإناء وفتوقه وكسره المغني (1/58), والإنصاف في معرفة الخلاف (1/150).

قوله: (إلا ضبة يسيرة) فالضبة شيء دون النصف في الغالب ما يبلغ نصف الإناء، وقوله: (يسيرة) علم بذلك أنها لا تبلغ حدا كثيرًا ؛ بل هي يسيرة، والضابط في ذلك قال ـ رحمه الله ـ: (عرفا) أي يرجع في ذلك إلى العرف.

وقوله: (من فضة لا ذهب) هذا قيد من القيود التي ذكرها المؤلف في إباحة استعمال الأنية المضببة، فقد ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ أربعة قيود:

القيد الأول: كونها (ضبة).

الثاني: (يسيرة).

الثالث: (من فضة) فخرج به الذهب قال: (لا ذهب).

الرابع: (لحاجة) وهذا هو القيد الرابع من القيود التي ذكرها المصنف –رحمه الله-وهو أن تكون الضبة لحاجة.

وبين الشارح الحاجة فقال: (وهي أن يتعلق بها غرض من غير الزينة)، يعني يتعلق بها حاجة غير الزينة، الزينة حاجة لكنها لا تبيح الذهب والفضة في الآنية، وإنما يبيح الفضة في الآنية بالقيود السابقة أن يكون قد تعلقت به حاجة أي بالضبة من الفضة حاجة غير الزينة الفروع في تصحيح الفروع (1/107)، والمبدع في شرح المقنع (1/48).

قال: (فلا بأس بها) يعني فهي حلال مباحة وذكر دليل ذلك قال:( لما روى البخاري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ:«أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» أخرجه البخاري (3109) ولقائل أن يقول: من أين استنبطت هذه القيود في الحديث؟

قال: (وعلم منه) أي من الحديث فهم منه: (أن المضبب بذهب حرام مطلقًا) لعدم وجود الاستثناء ولعل قوله: (علم منه) أي من كلام المصنف وما تقدم من الاستدلال. وهو الآن يبين –رحمه الله-مفهوم كلام المؤلف (إلا ضبة يسيرة من فضة لحاجة).

أما استنباط هذه القيود من الحديث فهي ظاهرة، فقوله –رحمه الله-: (إلا ضبة) لأن ما فعله النبي –صلى الله عليه وسلم-هو تضبيب يسيرة ؛ لأن الغالب من فضة للنص على ذلك لحاجة ؛ لأنه اتخذها مكان الشعب، فـ (الضبة) مستفادة من الفعل الذي دل عليه حديث أنس (ويسيرة) مستفاد من قوله: (سلسلة) وهو شيء يسير، (ومن فضة) للنص على ذلك بقوله: (من فضة) (ولحاجة) لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-إنما اتخذ ذلك لمعالجة الكسر الذي حصل بسد الشعب الذي حصل في الإناء.

والتضبيب بالفضة لحاجة عليه عامة أهل العلم وهو ما ذهب إليه الأئمة الأربعة مختصر القدوري (240), والهداية في شرح بداية المبتدي (4/363), والذخيرة (1/167), والمجموع للإمام النووي (1/258), وروضة الطالبين للنووي (1/45), والإنصاف في معرفة الخلاف (1/152) ، وهذا الحديث يدل على ما ذكر أن المضبب بذهب حرام مطلقًا هذا المذهب، وهو قول جمهور أهل العلم مواهب الجليل (1/ 129) ، وروضة الطالبين (1/ 46) ، وكشاف القناع (1/ 51) ، ووجهه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-إنما استعمل الفضة، فالرخصة جاءت في الضبة من الفضة فلا يلحق بها غيرها، فالضبة من الذهب لا تلحق بالضبة من الفضة، فلا تحل.

وذهب الحنيفة إلى أن الذهب يلحق بالفضة ؛ لأن الأصل في الحرمة واحد بدائع الصنائع (5/132).

وأجيب: بأنه لا وجه للقياس وذلك ؛ لأن الشرع فرق بين الذهب والفضة، فلا يسوغ التسوية بينما فرق بينه الشارع.

قوله: (وعلم منه أن المضبب بذهب حرام مطلقًا) تقدم الكلام عليه، (وكذا المضبب بفضة لغير حاجة) وذلك أن الحديث إنما جاء في بيان الإذن في التضبيب لحاجة (أو بضبة كبيرة عرفًا ولو لحاجة)، لأن الحديث استثنى من المنع بفعل النبي –صلى الله عليه وسلم-ما كان يسيرًا "فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة" أخرجه البخاري (3109) وأما إذا كان كبيرًا عرفًا ولو لحاجة فإنه لا يحل ؛ لأنه يلحق بآنية الذهب والفضة في التحريم ثم ذكر المؤلف –رحمه الله-دليل ما تقدم من تحريم آنية الذهب والفضة قال: (لحديث ابن عمر «مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاء ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ إِنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» أخرجه البخاري (5634 )، ومسلم (2065)) واختار المؤلف –رحمه الله-هذه الرواية لشمولها ما ذكره من حكم، وهو أن الحكم يتعلق بإناء الذهب والفضة وما فيه شيء من الذهب والفضة وإلا فهذا اللفظ ورد لكن دون ذكر غيره أو إناء فيه شيء من ذلك، ففي حديث أم سلمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «الَّذِي يَشْرَبُ في إناءِ الفِضَّةِ إنَّما يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نارَ جَهَنَّمَ» متفق عليه وإذا كان هذا في الفضة، ففي الذهب من باب أولى.

قوله –رحمه الله-: (وتكره مباشرتها) أي الضبة المباحة (لغير حاجة) لأن فيه استعمال للفضة، فإن احتاج إلى مباشرتها كتدفق الماء أو نحو ذلك لم يكره)، (تكره مباشرتها) (أي الضبة المباحة) على القيود التي مضت (لغير حاجة) أي لغير حاجة في مباشرتها والتعليل قال: (لأن فيه استعمال للفضة) وهو مما منع في الأصل لكن أبيح للحاجة المغني (1/58), والمنور في معرفة راجح المحرر (142)، والكافي في فقه الإمام أحمد (1/46) (فإن احتاج إلى مباشرتها) أي الضبة (كتدفق الماء أو نحو ذلك لم يكره) أي لا يمنع من ذلك في مثل هذه الحال ؛ لأنه قد أذن في أصل الاستعمال، فما دعت إليه حاجة فإنه يرتفع لأن القاعدة أن المكروهات تبيحها الحاجات. 

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق