الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
هذا الباب وسمه المصنف –رحمه الله-فقال: (باب الاستنجاء) ثم شرع بتعريف الاستنجاء لغة فقال: (من نجوت الشجرة أي قطعتها فكأنه قطع الأذى) يعني هذا وجه المناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، وهو ما ينتج عن الاستنجاء من قطع الأذى المغني (1/111)، والمبدع في شرح المقنع (1/56).
وعرف الاستنجاء اصطلاحًا ـ أي شرعًا ـ فقال: (والاستنجاء: إزالة خارج من سبيل بماء أو إزالة حكمه بحجر أو نحوه)، فجعل الاستنجاء على نوعين: إزالة خارج من السبيلين أو من سبيل بماء، نسخة فيه من السبيل، ونسخة من السبيلين، وهذا أعلى ما يكون من أوجه قطع الأذى، الإزالة بالكلية منتهى الإرادات (1/34)، وحاشية الخلوتي على منتهى الإرادات (1/47).
ولذلك قال: (إزالة خارج من سبيل بماء).
قال: (أو إزالة حكمه) أي حكم الخارج (بحجر أو نحوه)، وذلك أن الحجر ونحوه مما يستعمل في إزالة الخارج من السبيلين لا يزيله بالكلية ؛ بل يبقى شيء لا يزيله إلا الماء.
فلذلك قال: (أو إزالة حكمه) لأنه لم يزل بالكلية بذهابه وانقطاعه عن مكان الخارج شرح منتهى الإرادات (1/32).
قال –رحمه الله-: (ويسمي الثاني استجمارًا من الجمار) يعني يختص الثاني باسم، وإن كان الاستنجاء اسم يشمل الصورتين من الإزالة سواء إزالة بالماء أو بالحجارة، لكن الثاني يختص بهذا الاسم وهو الاستجمار ثم بين وجه مناسبة هذا الاسم للفعل قال: (من الجمار وهي الحجارة الصغيرة) وهي الأداة المستعملة في الإزالة الحجارة الصغيرة المغني (1/111)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/58).
والمؤلف –رحمه الله-أتى بباب الاستنجاء بعد باب الآنية ؛ لأنه أول ما يطلب في الطهارة، فأول ما يطلب في الطهارة للصلاة هو إزالة النجس ؛ لذلك بدأ بذكر الأحكام المتعلقة بها، وفي هذا الباب قسم المؤلف –رحمه الله-ما تناوله من مسائل الاستنجاء على أقسام:
الأول: ابتدأ اولًا بما يستحب عند قضاء الحاجة وذكر فيه جملة من الآداب والمستحبات.
الثاني: ذكر ما يكره عند قضاء الحاجة، وهو ما ينبغي تجنبه ولا إثم في مواقعته.
الثالث: ما يحرم عند قضاء الحاجة، وهو ما يجب اجتنابه ويلحق الإثم بمواقعته.
ثم ذكر صفة إزالة الخارج من السبيلين صفة الاستنجاء، وبعده ذكر صفة الاستجمار ثم ذكر جملة من الأحكام المتصلة بإزالة أثر الخارج من السبيلين، فأول ما ذكر المؤلف بعد التعريف ذكر المستحبات التي ينبغي مراعاتها ويستحب الأخذ بها في قضاء الحاجة سواء كان ذلك في مقدم الوضوء والتهيؤ للصلاة، أو كان ذلك على وجه العموم، فهذه الآداب لا علاقة لها بالطهارة المتصلة بالصلاة، بل هي من الآداب العامة التي ينبغي أن يراعيها سواء كان دخوله للخلاء أو إتيانه الحاجة لأجل الصلاة أو لغيرها.
أول ما ذكر لذلك قال: ((يستحب عند دخول الخلاء) ونحوه، وهو بالمد: الموضع المعد لقضاء الحاجة، (قول: بسم الله)) هذا هو الأدب الأول.
وقوله –رحمه الله-: (عند دخول الخلاء ونحوه وهو بالمد: الموضع المعد لقضاء الحاجة) بيان أن ما يأتي من استحباب (قول: بسم الله) لا يختص محل قضاء الحاجة بالبنيان ؛ بل يشمل ذلك البنيان وغيره، فلو قضى حاجته في صحراء أو فناء، فإنه يستحب له قول: (بسم الله) المغني (1/124)، والمقنع في فقه الإمام أحمد (26).
وقوله –رحمه الله-: (قول: بسم الله) أي هذا الذكر بأن يقول: (بسم الله)، ومعلوم أن البسملة كما تقدم جملة مفيدة، فالجار والمجرور في قول: (بسم الله) متعلقة بمقدر محذوف مؤخر غالبًا مناسب، فقول: (بسم الله) أقضي حاجتي أو (بسم الله) دخولي إلى هذا الموضع والدليل لاستحباب قول: (بسم الله) ذكره المؤلف بقوله: (لحديث علي «ستْرُ مَا بَيْنَ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ الكَنِيفَ ـ وهو اسم لموضع قضاء الحاجة المبني المعد لذلك ـ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ» أخرجه الترمذي (606)، وابن ماجه (297) فهذا دليل على استحباب قول هذا الذكر عند دخول الخلاء في الموضع المهيأ المعد والمبني لهذا الغرض، وهو قضاء الحاجة أن يقول: (بسم الله) ويلحق به ما عداه من المواضع، فإن كان في صحراء يستحب له أن يقول ذلك أيضًا، والغرض من قول: (بسم الله) تحصيل هذا الستر وهو حجب عورة الإنسان أن يراها الجن، فالجن كما ذكر الله ـ تعالى ـ }إنَّهُ يَراكم هو وقَبِيلُهُ مِن حَيْثُ لا تَرَوْنَهم{[الأعراف:27].
فوقاية الإنسان من نظر الجن إلى عورته هو قول هذا الذكر سواء كان ذلك في الكنيف، وهي البيوت والمواضع المعدة لقضاء الحاجة، أو كان ذلك في الصحراء.
وقوله أي قول: (بسم الله) فيما إذا كان يدخل مكانًا معدًا عند إرادة الدخول، وأما إذا كان في فناء أو صحراء، فإنه عندما يقدم رجله اليسرى إلى الموضع الذي يقضي فيه حاجته، يشرع له أن يقول: (بسم الله) هكذا ذكر الفقهاء في موضع هذه السنة وهذا القول.
قال –رحمه الله-: (رواه ابن ماجه والترمذي أخرجه الترمذي (606)، وابن ماجه (297) ، وقال: ليس إسناده بالقوي)، وهذا إشارة إلى ضعف الحديث، وقد ذكر الحافظ بن حجر –رحمه الله-بعد بحثه في أسانيد هذا الحديث نتائج الأفكار لابن حجر (1/197)، والمجموع (2/74).
قال: والحاصل أنه لم يثبت في الباب شيء، وقال عنه في موضع آخر: حسن غريب من هذا الوجه، واستحباب هذه الكلمةـ وهذا القول عليه جماهير العلماء رحمهم الله البناية شرح الهداية (1/746)، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل (1/271)، والمجموع (2/74)، والمغني (1/124).
قال: (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) هذا تتمة ما يستحب قوله عند دخول الخلاء أن يقول بعد البسملة الاستعاذة (أعوذ) أي احتمي واعتصم وألتجأ بالله (من الخبث والخبائث) هذا المستعاذ منه، فالمستعاذ به هو الله ـ تعالى ـ والمستعاذ منه الخبث والخبائث الكافي في فقه الإمام أحمد (1/95)، والممتع في شرح المقنع (1/120).
قال: (بإسكان الباء الخبث، قال القاضي عياض: وهو أكثر روايات الشيوخ ـ أي نقلة الحديث ـ وفسره بالشر والخبائث الشياطين وهو جمع خبيث).
قال: (فكأنه استعاذ من الشر وأهله) كشاف القناع عن متن الإقناع (1/58) أي: على هذا الوجه من بيان المعنى في الخبث والخبائث يكون قد جمع في الاستعاذة بالله –عز وجل-بهذا الدعاء طلب الحماية من أمرين:
الأول: من الشر وهو ما يكون من المكروه الذي يسوء الإنسان في دينه أو دنياه.
والثاني: ومن أهله الذين يوقعونه ويباشرونه ويزينونه وهم الخبائث.
قال: (وقال الخطابي: بضم الباء) يعني هذا الوجه الثاني في الخبث بضم الباء الخبث، وبين معناه بقوله: (وهو جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة)، فيكون المعنى (فكأنه استعاذ من ذكرانهم وإناثهم) أي يحصل له بالاستعاذة على هذا الوجه طلب الحماية من الله –عز وجل-من ذكران الشياطين وإناثهم، والأول أقوى ؛ لأنه أوسع دلالة وأشمل معنى، ولأن فعيل إذا كان صفة جمع على فعلاء كظريف وظرفاء وكريم وكرماء، وإنما يجمع على فعل خبث إذا كان اسمًا مثل: رغيف، رغف، ونذير ونذر، فالأرجح في هذين الوجهين في كلمة الخبث هو التسكين ووجه ترجيحه أنه صفة وجمع الصفة يكون على وزن فعل.
والوجه الثاني: أنه أعم في المعنى وحمل اللفظ على ما هو أعم أولى من حمله على ما هو دونه في العموم إذا كان يحتمل المعنيين المبدع في شرح المقنع (1/57), والشرح الكبير على المقنع (1/188) .
قال: (واقتصر المصنف) يعني صاحب "مختصر المقنع زاد المستقنع" على هذا أي على هذا القدر من الذكر عند دخول الخلاء (تبعًا للمحرر والفروع)،
"المحرر" المحرر في الفقة لشيخ الإسلام بن تيمية (1/9) للمجد عبد السلام بن تيمية جد شيخ الإسلام، و"الفروع" الفروع وتصحيح الفروع (1/128) وهو لابن مفلح تلميذ شيخ الإسلام، قال: (وغيرهما) أي من علماء وفقهاء الحنابلة المبدع في شرح المقنع (1/56 ـ57) ، ووجه الاقتصار قال: (لحديث أنس أن النبي –صلى الله عليه وسلم-كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» متفق عليه) أخرجه البخاري (142)، ومسلم (375) وهذه رواية في الصحيحين، وهي أثبت ولذلك اقتصر المؤلف على هذا القدر فيما يستحب قوله عند دخول الخلاء.
قال –رحمه الله-: (وزاد في الإقناع) للحجاوي موسى بن أحمد صاحب الزاد، فهو يشير إلى أنه في الإقناع لن يقتصر على هذا مع أنه صاحب هذا المؤلف، والإقناع هو كتاب "الإقناع لطالب الانتفاع" (والمنتهى) وهو ثاني الكتب أهمية فيما يتصل بمعرفة ما عليه الحنابلة المتأخرين منهم أشار أنه في الإقناع والمنتهى لم يقتصر على هذا القدر، بل زاد إلى هذا الذكر (الرجس النجس الشيطان الرجيم) منتهى الإرادات (1/34)، والمقنع (26)..
قال –رحمه الله-: (وزاد في الإقناع والمنتهى تبعا للمقنع) وهو أصل زاد المستقنع (وغيره (الرجس النجس الشيطان الرجيم) لحديث أبي أمامة: «لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه ـ أي موضع ارتفاقه يعني موضع انتفاعه بقضاء الحاجة ـ اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم»أخرجه ابن ماجة (299) ، وهذا الحديث حديث أبي أمامة رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف نتائج الأفكار لابن حجر (1/198). ، كما قال البوصيري، ولهذا السنة أن يقتصر على ما جاء في الصحيحين من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ وهو ما اقتصر عليه المصنف هذا هو الأدب الأول من الآداب التي ذكرها المصنف –رحمه الله-عدا أدب واحدًا وبعض الفقهاء يعده أدبين:
الأول: التسمية.
الثاني: الاستعاذة من الخبث والخبائث.
والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن الأمر في هذا واسع فمن جمعهما قال: إنهما جاءا في سياق واحد، وهو ما يشرع قوله عند دخول الخلاء، ومن فرق قال: التسمية لها غرض والاستعاذة لها غرض آخر، فالتسمية غرضها حجم أعين الجن عن عورات بني آدم، والاستعاذة طلب السلامة من شرورهم بغير النظر، فالأول التسمية لوقاية نظرهم، والاستعاذة للوقاية من شرورهم ومن شر كل ذي شر، وذكر في الاستعاذة لفظين.
الأدب الثالث الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-: ما يكون عند الخروج قال: (ويستحب أن يقول عند الخروج منه) أي عند الخروج من الخلاء سواء كان مبنيًا قال: (من الخلاء ونحوه:) أي المواضع التي تقضى فيها الحاجة في غير البنيان (غفرانك) المغني (1/124)، والفروع وتصحيح الفروع (1/134) أي أسألك غفرانك من الغفر وهو الستر لحديث أنس كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم-إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك» رواه الترمذي وحسنه) أخرجه الترمذي (7)، وابن ماجه (300)، وهو أصح ما قيل في ذكر الخروج من الخلاء وقد صححه الذهبي والحاكم والنووي وغيرهم المجموع للإمام النووي (2/76).
ومما يسن قوله عند الخروج من الخلاء بعد قول غفرانك: (أن يقول: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)، (الأذى) هو ما يتأذى بالإنسان والمقصود به ما يسر الله خروجه من القذر الذي يؤذي بقائه الإنسان لمغني (1/124)، والإنصاف في معرفة الخلاف (1/194).
قال: (وعافاني) أي ومن علي بالعافية من بقائه ومن آثاره، قال: لما روى ابن ماجه عن أنس كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لما رواه ابن ماجه عن أنس: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا خرج من الخلاء قال: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي» رواه أبو داود (30)، والترمذي (7)، وابن ماجه (318) وهذه الرواية ضعيفة كما ذكر ذلك البوصيري والنووي في المجموع المجموع للنووي (2/75) ، هذا ما يتعلق بالأدب القولي فيما يتصل بقضاء الحاجة وأتى بما يقال عند الدخول وبما يقال عند الخروج، مع أن الخروج متأخر وثمة آداب قبله لأجل أن يجمع النظير إلى نظيره، فذكر ما يتصل بالآداب القولية في مبدأ الدخول وعند الخروج.
ثم قال –رحمه الله-: (ويستحب له تقديم رجله اليسرى دخولًا) أي عند دخول الخلاء (ونحوه من مواضع الأذى) هذا هو الأدب الخامس من الآداب التي تستحب لداخل الخلاء تقديم رجله اليسرى أي عند الدخول، ولذلك قال: (تقديم رجله اليسرى دخولًا) أي حال دخوله، (ويستحب له تقديم يمنى رجليه خروجًا) والدليل على ما ذكر من هذا الاستحباب وهو تقديم رجله اليمنى دخولًا هو العلم بعموم هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفروع وتصحيح الفروع (1/128)، وكشف المخدرات (1/48).
ولذلك لم يذكر المؤلف –رحمه الله-لهذا الأدب دليلًا خاصًا ؛ بل استطرد لبيان أن تقديم اليمين لما فيه شرف وفضل وتقديم اليسار لما يتخلى عنه من المستقبحات والرذائل فقال –رحمه الله-: (عكس مسجد ومنزل ولبس نعل) أي عكس ما يطلب في دخول المسجد والخروج منه وكذلك في دخول المنزل والخروج منه، وكذلك في لبس النعل وخلعه لإقناع في فقه الإمام أحمد (1/14)، وكشف القناع (1/60).
قال –رحمه الله-: (فاليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه) نيل المآرب شرح دليل الطالب (1/51) ، يعني أن هذا هو الدليل أو المستند لما ذكره –رحمه الله-من استحباب تقديم اليمين وتقديم اليسار، ولقائل أن يقول ما دليل ذلك؟
فأتي المؤلف –رحمه الله-بواحد من الأدلة التي يستدل بها على هذا الأصل قال: (وروى الطبراني المعجم الصغير عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «إذا انْتَعَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ باليُمْنَى، وإذا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ باليسُرَى»أخرجه البخاري (5855، 5856) مفرقاً، ومسلم (2097، 2098) مفرقاً، وأبو داود (3149)، والترمذي (1774، 1779) مفرقاً، والنسائي (5369)، وابن ماجه (3616، 3617) مفرقاً، وأحمد (7349) على قياسه القميص، ونحوه) هذا الحديث عند مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ ولعل المؤلف لم يفطن لذلك.
ولذلك ذكره فيما رواه الطبراني في المعجم الصغير، وإلا فهو في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا انْتَعَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ باليُمْنَى، وإذا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بالشِّمالِ، ولْيُنْعِلْهُما جَمِيعًا، أوْ لِيَخْلَعْهُما جَمِيعًا» أخرجه البخاري (5855، 5856) مفرقاً، ومسلم (2097، 2098) مفرقاً، وأبو داود (3149)، والترمذي (1774، 1779) مفرقاً، والنسائي (5369)، وابن ماجه (3616، 3617) مفرقاً، وأحمد (7349) واللفظ له والأحاديث الواردة في تقديم اليمين في هذه الأمور استدل له بما جاء في الصحيحين من حديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أن النبي –صلى الله عليه وسلم- «يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ»أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268) هذا الشاهد يعني وفي كل ما يقصد فعله من المستحبات والفضائل، وعكسه التياسر فإنه لا تقدم اليسار إلا لما سوى ذلك.
ثم قال المصنف –رحمه الله-: (ويستحب له اعتماده على رجله اليسرى) هذا أيضًا استكمال لذكر ما يستحب عند قضاء الحاجة.
قال: (ويستحب له (اعتماده على رجله اليسرى) حال جلوسه لقضاء الحاجة) اعتماده أي قاضي الحاجة على رجله اليسرى، وهذا ذكر الصفة المستحبة لقضاء الحاجة أن يعتمد على رجله اليسرى حال جلوسه لقضاء الحاجة المبدع في شرح المقنع (1/59)، وشرح منتهى الإرادات (1/33) (لما روى الطبراني في المعجم والبيهقي عن سراقة بن مالك قال أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ«أمَرَنا أن نتكِئَ على اليُمنى وأن ننصِبَ اليُسرى» المعجم الكبير للطبراني (7/ 161) وسنن البيهقي (1/ 96)) وهذا الحديث ضعفه الأئمة المجموع للنووي (2/89)، والتلخيص الحبير لابن حجر (2/89) ، فضعفه الحافظ بن حجر وقبله النووي فلم يثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم-في صفة الجلوس على هذا النحو حديث، وإذا كان كذلك فإن جلوس الإنسان على حاجته يكون على الوجه الذي يحصل به مقصوده ويتيسر له لعدم صفة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك.
الأدب الذي يليه الأدب السابع قال: (ويستحب (بُعدَه) إذا كان (في فضاء) حتى لا يراه أحد) أي أن يبعد في موضع قضاء الحاجة إذا كان في فضاء يعني في صحراء، وضبط ذلك في قوله لا يراه أحد، وذلك بأن يحتجب عنه بما يحجبه عن رؤيته حال قضاء الحاجة ؛ لأنها حال يكون الإنسان فيها على تكشف فاستحب له أن يكون في موضع بعيد لا يراه أحد، واستدل لذلك (لفعله صلى الله عليه وسلم ) أي لما ثبت عنه –صلى الله عليه وآله وسلم-من بعده فقد جاء في جملة من الأحاديث أنه كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أراد حاجته انطلق فأبعد، فقد جاء ذلك في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ وهو ما أشار إليه المؤلف قال: (رواه أبو داود من حديث جابر) أخرجه أبو داود (2)، وابن ماجه (335).
وجاء أيضًا في حديث آخر أن النبي –صلى الله عليه وسلم-كان ينطلق حتى يتوارى، وهذا يتبين به الضابط الذي ذكر في قوله: (لا يراه أحد)، ففي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري قال: « إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ انطلق حتى تواري » أخرجه البخاري (363)، ومسلم (274) أي حتى ذهب إلى موضع لا يرى فيه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هنا مسألة قبل أن ننتقل عن هذا الأدب، وهو بعده في فضاء، لم يذكر ما يتعلق بالخلاء ؛ لأن الخلاء موضع معد لذلك فيحصل التواري بدخوله، وإغلاق ما يكون من فرج، أو أبواب يرى من خلالها، فبعض الناس إذا دخل الخلاء المعد من مواضع دورات المياه على سبيل المثال لم يغلق الأبواب يجعل الباب مفتوحاً، وليس المقصود الإغلاق بالقفل، إنما المقصود برد الباب بحيث لا يرى، وهذا خلاف ما ينبغي في قضاء الحاجة من الاستتار والبعد، وقد أضافوا إلى البعد هنا في قوله: (يستحب (بعده) إذا كان (في فضاء)) أن يبعد بحيث لا يسمع له صوت، فلا يرى ولا يسمع له صوت لأجل لا يسمع ما يمكن أن يكون من أصوات بسبب قضاء الحاجة ينظر المغني (1/121)، وكشاف القناع (1/60).