الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
الأدب الثامن قال: ((و) يستحب (استتاره)) أي أن يستتر بأن لا يبدو شيء من عورته، ولا يُرى شيء من بدنه وهو على حاجته، فالاستتار هنا يشمل ستر العورة، ويشمل ستر الشخص نفسه، وليس المقصود بالاستتار هنا أن يستر عورته ؛ لأن ذلك واجب وليس مستحبًا، فالاستتار هنا هو ألا يرى وهو على حاجته ؛ لأنه حال يطلب فيها الستر، وهي مما يستنزه الإنسان وذوو المروءات أن يرووا وهم عليها المغني (1/120)، وشرح العمدة (143)
والدليل لهذا ما أشار إليه بقوله: لحديث أبي هريرة قال: «مَن أتى الغائطَ فلْيَسْتَتِرْ» أخرجه أبو داود (35)، وابن ماجه (337)، وأحمد (8838) قوله –صلى الله عليه وسلم-: (فليستتر) يشمل العورة وجوبًا أي فليستر عورته عن أن يراه أحد ويشمل أن لا يراه أحد وهو على هذا الحال، وإن لم يرى عورته، وهذا على وجه الاستحباب وهو الذي أراده المصنف –رحمه الله-بقوله: (ويستحب استتاره) أي عن نظر الناظرين ورؤيتهم، وهذا الحديث الذي استدل به المؤلف –رحمه الله-فيه رجل مجهول ولذلك ضعفه جماعة من أهل العلم.
فقال الحافظ بن حجر في تلخيص الحبير: مداره على أبي سعيد الحبراني وفيه اختلاف، والراوي عنه حصين مجهول التلخيص الحبير لابن حجر (1/149)
قال بعد ذلك: (وارتياده لبوله مكاناً رخواً) (ارتياده) أي طلبه
هذا هو الأدب التاسع من آداب قضاء الحاجة ومستحباتها (ارتياده) أي طلبه لبوله (مكاناً رخواً) أي عند التبول يطلب مكانَ رخوٍ قال: (بتثليث الراء) رخوًا رخو رخوا وأما المعنى قال: (لينا هشًا) وعلة ذلك لأجل ألا يتراد عليه البول أذى لكافي في فقه الإمام أحمد (1/96)، والممتع في شرح المقنع (1/123)
قال: (لحديث: «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ» رواه أحمد وغيره) أخرجه أبو داود (3)، وأحمد (19555) ، والحديث في إسناده مقال ففيه رجل مجهول، وقد ضعفه النووي رحمه الله خلاصة الأحكام للنووي (1/149)
قال: (وفي التبصرة ويقصد مكانًا علوًا) أي عند قضاء الحاجة أي مكانًا مرتفعًا شرح منتهى الإرادات (1/34)، وكشاف القناع (1/60)
قال: (ولعله لينحدر عنه البول) لعل وجه هذا الاستحباب لينحدر عنه لأجل أن يكون البول إذا جرى يجري بعيدًا عنه، (فإن لم يجد مكانًا رخوًا) إذا لم يتيسر له الموضع الذي يأمن فيه من تراد بوله (لصق ذكره) أي في موضع قضاء الحاجة (ليأمن بذلك من رشاش البول) المبدع في شرح المقنع (1/61)، وشرح منتهى الإرادات (1/34) وهذا الذي ذكره لا دليل عليه، بل الذي ينبغي أن يجري على اعتياده ويتوقى رشاش البول ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وأما ما ذكر من أن يلصق ذكره بالأرض، فهذا قد لا يتيسر، وليس من السنن والآداب، لكن يمكن أن يستدل له بمعنى الحديث.
فلو قال قائل: من أين أتى بهذا الاستحباب إذا لم يجد مكانًا رخوًا؟!
يقال: إن هذا لأجل تحقيق المعنى الذي جاء في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا بال أحدُكم فليرْتَدْ لِبَوْلِهِ» أخرجه أبو داود (3)، وأحمد (19555) فإن ذلك غرضه وغايته توقي ارتداد البول.
وعلى كل حال يفعل كل ما يكون سببًا لتوقي رشاش البول وعوده إليه.
قال –رحمه الله-:)((و) يستحب (مسحه)، أي: أن يمسح (بيده اليسرى إذا فرغ من بوله من أصل ذكره)
هذا هو الأدب العاشر الذي ذكره المصنف –رحمه الله-من آداب قضاء الحاجة: (يستحب مسحه أي أن يمسح بيده اليسرى إذا فرغ من بوله من أصل ذكره أي من حلقة دبره، فيضع إصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه ويمر بهما إلى رأسه أي رأس الذكر ثلاثًا) أي يكرر هذا ثلاث مرات والعلة في هذا قال: (لئلا يبقى من البول فيه شيء) يعني في مجراه ينظر الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/207)، والممتع في شرح المقنع (1/127) ، وهذا الاستحباب لا وجه له ولا دليل عليه ؛ بل هو من الأفعال التي تورث الوسواس، كما أنها من الأفعال التي تسبب الضرر للإنسان، فإن تكرار هذا الفعل يرخي مجرى البول، فيكون سببًا للتقطير والتنقيط.
قال في الأدب الحادي عشر: ((و) يستحب (نتره) - بالمثناة – (ثلاثاً) أي نتر ذكره ثلاث) والنتر هو شد عضلة الذكر، هذا معنى النتر، لأجل أن يخرج ما بقي في مجرى البول الممتع في شرح المقنع (1/127)، وشرح منتهى الإرادات (1/37)
ولهذا قال: (ليستخرج بقية البول منه) أي من ذكره واستدل له بقوله: (لحديث «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثاً»أخرجه ابن ماجه (326)، وأحمد (19076) رواه أحمد وغيره)، وهذا الحديث من رواية يزداد وهو أحد رواة الحديث ضعيف المجموع للنووي (2/91)، وسبل السلام (1/129) ، وكذلك الراوي عنه ضعيف، ولهذا عامة أهل العلم على أن هذا الحديث لا يثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم-وبالتالي النتر ليس مستحبًا، وليس له أصل في هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم قال المصنف –رحمه الله-في الأدب الثاني عشر: (و) يستحب (تحوله من موضعه ليستنجي) في غيره (إن خاف تلوثا) باستنجائه في مكانه؛ لئلا يتنجس).
قال: (ويستحب تحوله) أي انتقاله بعد فراغه من قضاء حاجته من البول أو من الغائط (يتحول من موضعه) موضع قضاء الحاجة (ليستنجي) أي ليقطع أثر الخارج سواء بالماء أو بالحجارة ونحوها، وقيد هذا الاستحباب فيما إذا خاف تلوث، فإن كان لا يخاف تلوث، فإنه لا يستحب له الانتقال من موضعه.
ولقائل أن يقول: أين الدليل على هذا الاستحباب؟! فالاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى أصل.
فالجواب: أن الاستحباب في مثل هذه السياقات هو ما ذهب إليه الفقهاء ـ رحمهم الله ـ من استحباب كل ما يحقق المعنى الشرعي الذي دلت عليه الأدلة، فالمعنى الشرعي الذي دلت عليه الأدلة، هو توقي البول وأغلظ منه الغائط، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-ذكر كما في الصحيحين من حديث ابن عباس في خبره عن الرجلين صاحبا القبرين «إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ»أخرجه البخاري (216)، ومسلم (292) وفي رواية (لا يستنزه) أخرجه ابن ماجه (347) من البول والاستتار والاستنزاه هو طلب الوقاية من أن يصيب الإنسان شيء من البول، والخارج من السبيلين فلما كان المطلوب هو هذا المعنى جعلوا كل ما يحققه مستحبًا ولو لم يرد بخصوصه دليل يخصه. قال –رحمه الله-: (لئلا يتنجس).
الثالث عشر من آداب قضاء الحاجة: قال: (ويبدأ ذكر وبكر بقبل) أي بتطهير قبل وتنجيته (لئلا تتلوث يده إذا بدأ بالدبر وتخير ثيب) أي أن الثيب يستوي في حقها البداءة بتنجية القبل والدبر، وهذا دليله ما تقدم من أن المطلوب هو الاستنزاه والاستتار من البول فكل ما حقق ذلك، فإنه مستحب مطلوب منتهى الإرادات (1/36)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/65) ، وبهذا يكون قد فرغ المؤلف –رحمه الله-من ذكر الآداب والمستحبات في قضاء الحاجة.
بعد ذلك انتقل إلى القسم الثاني وهو المكروهات يقول –رحمه الله-: (ويكره دخوله) وهذا شروع في ذكر ما يتصل بالقسم الثاني من الأقسام التي ذكرها في باب الاستنجاء، وهو ما يكره عند قضاء الحاجة وابتدأ بما يكره عند الدخول فقال: ((ويكره دخوله)، أي: دخول الخلاء أو نحوه (بشيء فيه ذكر الله تعالى)) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/188)، والمبدع في شرح المقنع (1/57).
قال: (ويكره دخوله أي دخول الخلاء ونحوه) يعني وموضع قضاء الحاجة في غير البنيان (بشيء فيه ذكر الله تعالى)، بأي شيء سواء كان ذلك في أوراق أو في لباس، وسواء كان ذلك في خاتم أو نحوه المغني (1/122)
قال: (غير مصحف فيحرم) أي فيحرم دخول الخلاء بالمصحف، وظاهر قوله أنه لا فرق بين أن يكون المصحف ظاهرًا أو في كمه ونحو ذلك.
قال –رحمه الله-: (إلا لحاجة) أي تزول الكراهة للحاجة، وهذا جاري على القاعدة في أن (المكروهات تبيحها الحاجات) فإذا احتاج أن يدخل شيء فيه ذكر الله، فلا حرج عليه للحاجة.
قال: (لا دراهم ونحوها) أي لا يكره إدخال الدراهم، ولو لم يكن حاجة، وذلك لأن في توقي إدخالها الخلاء مشقة على الناس وضررًا بتلف أموالهم وضياعها.
وقوله –رحمه الله-: (وحرز للمشقة) والحرز هو ما يكتب لحفظ صاحبه، ولذلك سمي حرزًا سواء كان ذلك مما يكتب فيه آيات من ذكر الله –عز وجل-من القرآن الحكيم، أو كان مما يكتب فيه أدعية وتعويذات يقصد بها الوقاية من الشر من العين أو السحر أو الحسد.
وهل يؤخذ من هذا جواز الحروز وجواز تعليقها على البدن؟
الجواب: لا يستفاد هذا من مثل هذا السياق، فإن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ يذكرون الأحكام المتعلقة بأمر ما دون نظر إلى حكم الأصل ؛ بل هم يتكلمون في مثل هذا السياق يتكلم عن دخول الخلاء، وليس عن حكم الحرز، هل يجوز أو لا يجوز؟!، وذلك أن الحرز اختلف فيه العلماءالمجموع شرح المهذب (9/66)، والفروع وتصحيح الفروع (3/248) ـ رحمهم الله ـ بل أحيانًا قد يذكرون حكم أمر محرم، ثم يذكرون ما يترتب عليه فيقولون: لو شرب الخمر وقتل، مثلاً، هذا لا يعني أن شرب الخمر جائز، وإنما هو بيان الحكم المترتب على هذا الفعل في هذه الحال، فلا يلزم من ذكر شيء من الأعمال التي اتفق على تحريمها، أو اختلف فيها أن ذكرها وبيان ما يترتب عليها وما يتعلق بها من حكم يفيد حكم ذلك الفعل جوازًا أو تحريمًا، إباحة أو منعًا.
قال: (ويجعل فص خاتم احتاج للدخول به بباطن كف يمنى). أي إذا دخل بشيء في ذكر الله مما يلبس كالخاتم، فإنه إن احتاج للدخول به لخشية ضياعه يجعل فصه وهو موضع كتب ذكر الله –عز وجل-إذا كان قد كتب فيه ذكر الله بباطن كف يمنى الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/14)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/59)
ودليل هذا ما جاء في حديث أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه" أخرجه أبو داود (19)، وابن ماجه (303) وهذا الحديث ضعفه عامة المحققين من المحدثين، وهو كما ذكروا ضعيف الإسناد التلخيص الحبير (1/160)، وتهذيب السنن (1/35) ؛ لكن المعنى الذي تضمنه عليه عامة أهل العلم وهو طلب التخلي عما فيه ذكر الله عند دخول الخلاء، والعلة في ذلك صيانة ما فيه ذكر الله من الامتهان.
فهذا الحديث وإن كان ضعيفًا وفي إسناده مقال، إلا أن المذاهب الفقهية الأربعةالبناية شرح الهداية (1/745)، والذخيرة للقرافي (1/203)، والحاوي الكبير (1/158)، والعزيز شرح الوجيز للرافعي (1/139)، وكشاف القناع (1/59) وغيرها على أنه يكره الدخول بشيء فيه ذكر الله ـ تعالى ـ ومما يدل على كراهية ذلك ما جاء عند أصحاب السنن من حديث ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ: « أن رجل سلم على النبي –صلى الله عليه وسلم-وهو يبول فلم يرد عليه السلام ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حتى فرغ، فرد عليه السلام وقال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة » أخرجه أبو داود (17)، و صحيح ابن حبان (806) والحديث عند أصحاب السنن.
وجه الاستدلال به على صحة ما ذكر هنا من كراهية الدخول بشيء فيه ذكر الله إلا لحاجة، قال: إذا كان ذكر الله ـ تعالى ـ باللسان يصان عن الخلاء، فعم كتب عليه اسمه –جل وعلا-أو لا.
قال –رحمه الله-: ((و) يكره استكمال (رفع ثوبه قبل دنوه)، أي: قربه (من الأرض) بلا حاجة، فيرفع شيئا فشيئا، ولعله يجب إن كان ثم من ينظره، قاله في المبدع) هذا هو ثاني ما ذكره المصنف –رحمه الله-من المكروهات التي ينبغي توقيها وهو (استكمال رفع ثوبه قبل دنوه) يكره أن يستكمل رفع ثوبه قبل دنوه من الأرض.
قال: (ويكره تكامله) في بعض النسخ (استكمال رفع ثوبه قبل دنوه أي قربه من الأرض) المبدع في شرح المقنع (1/ 59)، والروض المربع (1/101)، وشرح منتهى الإرادات (1/34).
وقوله: (بلا حاجة) يعني دون أن يكون هناك ما يدعو إلى ذلك، ولم يذكر دليل الكراهة، إلا أن دليل الكراهة معلوم من أن الواجب حفظ العورات وسترها، وفي رفع ثوبه قبل دنوه كشف لعورته التي أمر بصيانتها وسترها، كما سيأتي فيما يذكره المؤلف رحمه الله.
والرواية الثانية الفروع وتصحيح الفروع (1/131): أنه يحرم استكمال رفع ثوبه قبل دنوه من الأرض ؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لما سأله عن العورات قال: «عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فافعل، فقال يا رسول الله: فإذا كان أحدنا خاليًا قال: فالله حق أن يستحيي منه من الناس » أخرجه أبو داود (4017)، والترمذي (2769)، وابن ماجه (1920) ولكن والأقرب ـ والله تعالى أعلم ـ الرواية الأولى التي قررها المؤلف وهي المذهب أنه يكره ولا يحرم، وجزم بها ابن تيمية –رحمه الله-في شرح العمدة.
وقوله: (فيرفع شيئًا فشيئًا) يعني يتدرج بالرفع.
قال: (ولعله يجب) إشارة إلى أنه إذا كان هناك من ينظر فالستر واجب لما تقدم من وجوب ستر العورات، كما دل عليه الحديث.
قال –رحمه الله-: ((و) يكره (كلامه فيه)، ولو برد سلام) هذا ثالث ما ذكره المصنف من المكروهات، وهو الكلام في الخلاء، والكلام هنا المقصود به مطلق الكلام سواء كان في أمر دنيا أو في مصالح الإنسان على وجه العموم، أو في لغو الكلام، وما يكون لا مصلحة فيه، كله داخل فيما ذكر من كراهية الكلام في الخلاء كشاف القناع (1/63)، والمغني (1/123)، والشرح الكبير (1/82).
قال: (ويكره كلامه فيه) أي في الخلاء.
قال: (ولو برد سلام) يعني ولو وجد موجب للكلام، هذا مقصوده بما ذكر من أمثلة، ولو برد سلام (وإن عطس حمد بقلبه)، يعني دون أن يصدر منه لفظ، فيكتفي بحمد القلب وبه يعلم أنه لا فرق في ذلك في الكلام المكروه بين أن يكون مخافته أو يكون جهرًا، وكذلك إجابة المؤذن، فإنه يكره أن يجيب بلسانه المغني (1/123)، والمبدع في شرح المقنع (1/59)، وشرح منتهى الإرادات (1/36)
ولذلك هناك فى المذهب رويتان: المغني (1/123)
الراوية الأولى: يجيب بقلبه لا بلفظه، وهذا هو الصحيح في المذهب.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أنه لا يكره كل ما كان من الأذكار التي لها سبب، والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أنه ينبغي صون الإنسان عن قول شيء من الكلام إلا ما دعت إليه حاجة ماسة أو ضرورة كتحذير ضرير وغافل عن هلاك، ولذلك قال: (ويجب عليه تحذير ضرير وغافل عن هلكة) منتهى الإرادات (1/363) .
والموجب لهذا أن النبي –صلى الله عليه وسلم-سلم عليه رجل، فلم يرد عليه السلام حتى قضى حاجته، وهذا دليل على أن الكلام مكروه ولو وجد سببه، ولكن ما له سبب من القول، فإنه يشرع أن يقضيه بعد فراغه من الحاجة، ولذلك رد عليه السلام بعد أن قضى حاجته –صلى الله عليه وسلم-وتيممأخرجه أبو داود (17)، و صحيح ابن حبان (806)
فقوله: (يكره كلامه فيه ولو برد سلام) بيان أنه يكره سواء وجد موجب للكلام أو لم يوجد.
قال: (وجزم صاحب النظم بتحريم القراءة في الحش) أي في مكان قضاء الحاجة (القراءة) أي قراءة القرآن (وسطحه) لأن الهوى له حكم القرار، وهو متجه على حاجته الفروع وتصحيح الفروع (1/129)، والمبدع في شرح المقنع (1/59)
قوله –رحمه الله-: (وهو متجه على حاجته) أي متجه القول بالتحريم وهو على حاجته يعني القراءة لها علناً في الحش وهو على غير حاجته، وفي الحش وهو على حاجته، ومثله إذا كان في غير كنيف، فإنه يحرم أن يقرأ القرآن وهو على حاجته، ولو لم يكن في حش، بأن كان في صحراء.
ثم قال –رحمه الله-: (ويكره بول في شق ونحوه) هذا رابع ما ذكره من المكروهات وهو البول في الشق ونحوه أي مما يكون في الأرض من الفتوق والشقوق.
قال: ((و) يكره (بوله في شق) - بفتح الشين - (ونحوه)) أي وما يشبهه كسرب وهو فتق في الأرض، قال: (ما يتخذه الوحش والدبيب بيتًا في الأرض)، وذلك لما يخشى من الضرر بالبول في هذه المواضع المغني (1/122)، وكشاف القناع (1/62)
قال: (ويكره أيضًا بوله في إناء بلا حاجة)، لما فيه من تنجيس الإناء (ومستحم غير مقير أو مبلط) يعني ويكره أيضًا في مكان استحمام وهو جريان الماء الجار غير مقير أو مبلط ؛ لأن غير المقير أو المبلط لا يجري فيه البول في مجرى يبعد عن الإنسان، بل يبقى عالقًا بموضع استحمامه الفروع وتصحيح الفروع (1/131)، وشرح منتهى الإرادات (1/35)
قال –رحمه الله-: (ومس فرجه) هذا خامس ما ذكره من المكروهات.
وقوله –رحمه الله-: (ومس فرجه) يشمل القبل والدبر (أو فرج زوجته ونحوها بيمينه) وهذا حكم يشمل حال قضاء الحاجة، وفي غير حال قضاء الحاجة، وهذا لأن اليمين لا تكون إلا فيما يكون من المستحبات والفضائل وتصان عن المستقذرات والقبائح، لكن الحكم هنا عام بحال قضاء الحاجة وغيرهاالإقناع في فقه الإمام أحمد (1/15)، وكشاف القناع (1/61)
ولهذا قال: (ويكره استنجائه واستجماره بها)، فإنه إذا استنجى أو استجمر بها كان هذا مباشرة لموضع الخارج ومباشرة للنجاسة وأثرها، إلا أنه يتأكد فيما يتعلق هذا بالأدب السابق ـ الأدب الخامس ـ قوله: (ومس فرجه أو فرج زوجته ونحوه بيمينه) قلنا: هذا يشمل حال قضاء الحاجة وفي غير قضاء الحاجة، فالنهي عن مس الفرج في كل الأحوال لحديث: « لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه قال: ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» صحيح مسلم (267) ، فشمل النهي الحالين.
والأدب السادس: (ويكره استنجائه واستجماره بها)، استنجائه أي استعمال الماء في إزالة أثر الخارج، واستجماره استعمال الحجارة ونحوها في أثر الخارج بيمينه شرح منتهى الإرادات (1/34)، وكشاف القناع (1/61) ؛ لحديث «لا يُمْسِكَنَّ أحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بيَمِينِهِ وهو يَبُولُ، ولا يَتَمَسَّحْ مِنَ الخَلاءِ بيَمِينِهِ» صحيح البخاري (5630)، وصحيح مسلم (267) متفق عليه.