فقد تقدم ما يتصل بالمستحبات عند قضاء الحاجة وقد ذكر فيها جملة من المستحبات، ثم أتى بالمكروهات، وذكر فيما يكره عند قضاء الحاجة الدخول بشيء فيه ذكر الله ـ تعالى ـ واستكمال رفع ثوبه قبل الدنو، والكلام في الخلاء، والبول في الشق، ومس الفرج، هذا الذي وقفنا عليه في قوله: ويكره مس فرجه أو فرج زوجته ونحوه بيمينه.
قوله: (ومس فرجه)، أو فرج زوجته ونحوها) كشاف القناع عن متن الإقناع (1/61)، والإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (1/15) هذا لا علاقة له بقضاء الحاجة هذا استطراد، والذي يفيده كلام قوله: (بيمينه و) يكره (استنجاؤه واستجماره بها)، أي: بيمينه) شرح منتهى الإرادات (1/34)، والكافي في فقه الإمام أحمد (1/102) أن الكراهة لا تختص حال قضاء الحاجة، بل هي عامة في حال قضاء الحاجة وفي غير هذه الحال، وعلة ذلك أن الحديث جاء بالنهي مطلقًا ومقيدًا، وقد ذكر المؤلف –رحمه الله- في الاستدلال للحكم: لحديث أبي قتادة: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» متفق عليهأخرجه البخاري (153), ومسلم (267).
والحديث فيه النهي عن إمساك الذكر باليمين، وهو في حال قضاء الحاجة، وفي حال التنجي منها أي في حال طلب البراءة والسلامة من البول ـ يعني في حال الاستنجاء ـ فهي في حال قضاء الحاجة وبعد ذلك، والعلة في ذلك تكريم اليمين عن مباشرة النجاسات.
وقوله في هذا الموضع (ومس فرجه أو فرج زوجته ونحوها بيمينه) على وجه الإطلاق والعموم حال الاستنجاء وفي غيرها شرح العمدة لابن تيمية ص (152)، وشرح منتهى الإرادات (1/34)
وقوله: (ويكره استنجاءه واستجماره بها) هذا في حال خاصة يعني يكره ذلك في حال قضاء الحاجة الاستنجاء والاستجمار، والصحيح من المذهب أن الكراهة عامة ليست خاصة بمعنى أنه يكون في حال قضاء الحاجة وفي غيرها، وهو ما رجحه شيخ الإسلام –رحمه الله-حيث ذهب إلى أن الكراهة لا تختص حال قضاء الحاجة ؛ بل هي عامةشرح العمدة لابن تيمية ص (152).
ووجه الدلالة في الحديث أنه خصه بحال قضاء الحاجة، فقال: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه»أخرجه البخاري (153)، ومسلم (267)
فإذا كان ينهى عن إمساك الذكر حال البول بيمينه، وهي حال يحتاج فيها إلى ذلك، ففي غير هذه الحال من باب أولى، هذا وجه الدلالة في الحديث على الكراهية، وهو ما ذهب إليه عامة أهل العلم أن النهي عن مس الذكر عام، يشمل حال البول وفي غير حال البولالمجموع للنووي (2/110)، والمغني لابن قدامة (1/114)
استقبال النيرين
ثم قال –رحمه الله-:(و) أي ويكره (استقبال (النيرين)) والمقصود بالنيرين (أي: الشمس والقمر)، وأما تعليل الحكم قال: (لما فيهما من نور الله تعالى) هذا مما ذكره المؤلف –رحمه الله-واستدل له وهو الصحيح من المذهب المغني (1/120)، والشرح الكبير (1/202)
وقيل: لا يكره وهو ظاهر كلام أكثر الحنابلة الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/202)، والفروع وتصحيح الفروع (1/128) ؛ وذلك أنه لا دليل على الكراهية، والتعليل عليل لأن التعليل بذلك لا يثبت حكمًا ؛ إذ إن النهي هنا تعبدي، فيحتاج إلى نص وليس إلى قياس أو تعليل.
ثم لو قيل: بأنه ليس تعبديًا إنما هو محل قياس.
قلنا: ليس ثمة أصل يقاس عليه حتى يقال: إنه يكره قياسًا على كذا ؛ لأنه نهي عنه لأجل أن فيه من نور الله –عز وجل-ما يوجب كراهية الاستقبال.
وهذا القول الثاني في المسألة، هو قول أكثر الحنابلة، وهو أقرب إلى الصواب.
ثم قال –رحمه الله-: (ويحرم استقبال القبلة واستدبارها) هذا شروع في ذكر المحرمات.
وبهذا يكون قد انتهى المؤلف –رحمه الله-من ذكر المكروهات، وشرع في ذكر ما يحرم عند قضاء الحاجة، وابتدأ ذلك باستقبال القبلة، فقال –رحمه الله-: (ويحرم استقبال القبلة واستدبارها) حال قضاء الحاجة) المغني لابن قدامة (1/119)، والفروع وتصحيح الفروع (1/125) ، فقيد التحريم بهذه الحال ثم قال: (في غير بنيان) وهذا قيد آخر، فذكر تحريم الاستقبال والاستدبار:
والاستقبال: هو أن يجعل القبلة تلقاء وجهه.
والاستدبار: أن يجعلها حيال ظهره.
وقيد التحريم ذلك بقيدين:
الأول: حال قضاء الحاجة يعني في أثنائها.
والثاني: في غير بنيان.
فإذا كان في غير قضاء الحاجة فلا يحرم، وكذا إذا كان في بنيان فإنه لا يحرم الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/206)، والشرح الكبير (1/205) ، والدليل على ذلك قال: (لخبر أبي أيوب مرفوعًا «إذَا أتَيْتُمُ الغَائِطَ فلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، ولَا تَسْتَدْبِرُوهَا ولَكِنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا» متفق عليه) أخرجه البخاري (144)، ومسلم (264)
فاستدلوا بهذا الحديث على التحريم، لأنه نهى –صلى الله عليه وسلم-عن الاستقبال والاستدبار فقال: «لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها» ثم قال: «ولكن شرقوا أو غربوا» أي اتجهوا إلى جهة المشرق والمغرب، وهذا من نظر إلى حال أهل المدينة، فإنهم إذا شرقوا أو غربوا سلموا من الاستدبار والاستقبال، بخلاف غيرها من الجهات، فإنهم ينبغي أن يراعوا الحال التي هم عليها، فقد يحتاجون إلى أن يتجهوا جهة الشمال أو الجنوب للسلامة من الاستقبال للقبلة واستدبارها، وهذا هو القول الأول في المسألة، وهو المذهب، وعليه جماعة من أهل العلم الإنصاف (1/206)، والشرح الكبير (1/205)
القول الثاني: وذهب طائفة من أهل العلم إلى أن ذلك على وجه الكراهة، أي أن النهي عن استقبال القبلة واستدبارها ليس للتحريم، بل هو للكراهةالاختيار لتعليل المختار (1/37)، والإنصاف (1/205)
وأما تقييد ذلك بكونه (في غير بنيان) وأنه إذا كان في البنيان فلا يحرم، وهو القول الأول في المسألة، وهو المذهب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/203)، والمغني (1/120)
ودليله حديث ابن عمر وفيه قال: «رقيتُ يومًا علَى بيتِ حفصةَ فرأيتُ النَّبيَّ ـ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ـ علَى حاجتِه مستقبلَ الشَّامِ مستدبرَ الكعبةِ» رواه البخاري (149)، ومسلم(266) والحديث في الصحيحين فهذا يدل على إباحة الاستدبار في البنيان.
وأما الاستقبال فاستدلوا له أيضًا بحديث جابر قال: «نهى رسولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ـ أن نَستقبِلَ القِبلةَ ببَولٍ، فرأيتُه قَبلَ أن يُقبَضَ بعامٍ يَستقبِلُها» أخرجه أبو داود (13)، وأخرجه الترمذي في جامعه (9)، وابن ماجة (325) وحلموا ذلك على أنه كان في موضع بينه وبين القبلة حائل.
والقول الثاني في المذهب: أنه يحرم مطلقًا سواء كان في البنيان أو في غيره، واختار هذه الرواية ابن تيمية وابن القيم وغيرهما الاختيارلتعليل المختار (1/37)، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/94)، والحاوي الكبير للقاضي الماوردي (1/151)، والشرح الكبير (1/206)، والفروع وتصحيح الفروع (1/126) ؛ استدلالًا بالعموم للحديث «إذا أتيتم الغائط...» أخرجه البخاري (144)، ومسلم (264) ولم يقيد ذلك بالبنيان ولا بغيره، وظاهر حديث أبي أيوب أنه فهم من النهي العموم ؛ حيث قال: «فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ، ونَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى» أخرجه البخاري (386)، ومسلم (264).
إذًا قوله –رحمه الله-: (ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير بنيان) تبين ما يتصل بهذا مما فيه من الخلاف في المذهب.
وأما استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء ففيه قولان:
القول الأول: قال فيه المؤلف ـ رحمه الله ـ: (ويكره استقبالها حال الاستنجاء) وهذا المذهب المبدع في شرح المقنع (1/65)، والفروع وتصحيح الفروع (1/127) واستدلوا له بأن الاستنجاء تابع ويشمله عموم "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها" أخرجه البخاري (144)، ومسلم (264) ، لكنهم نزلوا عن التحريم للكراهة ؛ لكون ذلك أقل قبحًا من حال قضاء الحاجة.
القول الثاني: لا يكره استقبال القبلة واستدبارها حال الاستنجاء، ذكر ذلك صاحب "الانصاف" فهو قول في المذهب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/207)
وقوله –رحمه الله-: (ويكفي انحرافه من جهة القبلة وحائل) الفروع وتصحيح الفروع (1/125)، والمبدع في شرح المقنع (1/64) هذا بيان أنه يخرج عن التحريم بأمرين:
الأمر الأول: انحراف عن جهة القبلة وهذا عمل بقوله ولكن شرقوا أو غربوا.
الأمر الثاني: ذكره في قوله: (وحائل ولو كمؤخرة رحل ولا يعتبر القرب من الحائل) الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/16)، وشرح منتهى الإرادات (1/37)
أي يكون بينه وبين القبلة حائل، والحائل هنا يلتحق بالبنيان إذا كان بالصحراء، يعني الحائل على صفتين:
الصفة الأولى: إما أن يكون بنيان، وقد تقدم في قوله: (في غير بنيان) ففهم أنه إذا كان في بنيان لا يثبت التحريم.
الصفة الثانية: إذا كان في غير بنيان في الصحراء فيكفي حائل، فإذا كان بينه وبين القبلة حائل كأن يكون في وهد أو بينه وبين القبلة حيوان كالبعير مثلاً، فإنه في هذه الحال إذا كان ما بينه وبين القبلة حائل، كمؤخرة الرحل انتفى التحريم، (ولو كان بعيدًا) بمعنى لا يشترط أن يكون قريبًا من الحائل الفروع وتصحيح الفروع (1/127)، والمبدع في شرح المقنع (1/64)
ومثله الصحراء ما لو جلس على حاجته في سطح، فإن جلوسه على السطح كجلوسه في غير بنيان لا بد من حائل، وأما دليل أنه يخرج عن التحريم بأن يكون بينه وبين القبلة حائل ما جاء في السنن من حديث ابن عمر (أنه أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها) فقال له الراوي وهو من مروان الأصفر: (أليس قد نهي عن هذا؟!) قال: (إنما هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس) أخرجه أبو داود (11)، وابن خزيمة (60) ، فاستدلوا بهذا على أن وجود الحائل بين من على حاجته والقبلة يكفي في انتفاء التحريم.
ثم قال –رحمه الله-: (و) يحرم (لبثه فوق حاجته) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/193)، والفروع وتصحيح الفروع (1/193) هذا ثاني ما ذكره المؤلف مما يحرم حال قضاء الحاجة (يحرم لبثه) أي بقائه ومكثه في موضع قضاء الحاجة فوق حاجته، وعلل ذلك بقوله ـ رحمه الله ـ: (لما فيه من كشف العورة بلا حاجة) كشاف القناع عن متن الإقناع (1/63)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/130) استناد إلى ما جاء في السنن من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: «قلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ عوْراتُنا ما نأتي منْها وما نذَرُ. قالَ: إن استطعتَ أن لا يراها أحدٌ فلا يَراها، قالَ قلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ إذا كانَ أحدُنا خاليًا. قالَ: فاللَّهُ أحقُّ أن يُستَحيى منْهُ منَ النَّاسِ» سنن أبي داود (4017)، والترمذي (2794)، وابن ماجة (1920) هذا يدل على التحريم ؛ لأنه كشف للعورة بلا حاجة، وذكر المؤلف لذلك تعليلًا إضافة للاستدلال وأشار بقوله (لما فيه من كشف العورة بلا حاجة) ودليله ما تقدم ؛ لكن قال في التعليل أيضًا (وهو مضر عند الأطباء) أي مكثه فوق حاجته في الخلاء مضر عند الأطباء، وهذا تعليل لتعزيز القول وليس للاستدلال ؛ إذ إنه لا يثبت به حكم شرعي إلا من جهة أنه ينظر في ذلك إلى قواعد الشريعة، وأن الشريعة نفت كل ما يجلب الضرر، فلا ضرر ولا ضرار.
والقول الثاني في أصل المسألة، وهو لبث الإنسان فوق حاجته في موضع قضاء الحاجة: أنه يكره وهو القول الثاني في المذهب أن ذلك على وجه الكراهة لا على وجه التحريمالإنصاف (1/193)، والفروع وتصحيح الفروع (1/130)
والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن يكره، ودليل الكراهة أنه موضع شرع فيه طلب الحماية من الخبث والخبائث، وهذا أقوى من استدلال بما استدل به من حديث بهز بن حكيم فيما يتعلق بكشف العورات ؛ لأنه قد يقال: لو بقي وقد ستر عورته تزول الكراهة أو لا؟!
فالذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن الدليل على الكراهية هو ما جاء من طلب الحماية عند دخول الخلاء بالاستعاذة بالله من الخبث والخبائث.
والمسألة فيها عن الإمام أحمد –رحمه الله-ثلاث روايات:
الأولى: التحريم وهو ما قرره المؤلف.
الثانية: الكراهية.
والثالثة: أنه مباح بلا حاجة. الإنصاف (1/193)، والفروع وتصحيح الفروع (1/130)
والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن الكراهية، كراهية لبثه فوق حاجته أقربها إلى الصواب، والدليل ما ذكرته.
قال –رحمه الله-: ((و) يحرم (بوله) وتغوطه (في طريق) مسلوك، (وظل نافع)، ومثله: مشمس زمن الشتاء، ومتحدث الناس، (وتحت شجرة عليها ثمرة)....إلى آخره)، هذا ثالث ما ذكره من المحرمات عند قضاء الحاجة، وهو قضاء الحاجة في هذه المواضع المنور في راجح المحرر ص (144)، وشرح منتهى الإرادات (1/36)
قال: ((و) يحرم (بوله) وتغوطه) أي قضاء حاجته ببول أو غائط (في طريق) مسلوك، (وظل نافع)، أي في موضع يمر منه الناس سواء كانوا راجلين أو راكبين؛ ولذلك قال: (طريق مسلوك) أي يسلكه الناس، وليس طريقًا مهجورًا (وظل نافع) أي ظل ينتفع به الناس، والعلة في ذلك ما أشار إليه من معنى، والحقيقة أن الأولى في هذا المقام أن يذكر الدليل على ذلك، وقد ورد النص بذلك، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم» صحيح مسلم (269) «الذي يتخلى في طريق الناس» أي يأتي ما يأتيه في الخلاء من بول أو غائط في طريق الناس، وهذا دليل قوله: (في طريق مسلوك).
الثاني قال: «أو في ظلهم» وهذا الدليل قوله: (وظل نافع)، فالتحريم مستفاد من النص الوارد حيث أمر النبي –صلى الله عليه وسلم-باتقاء ما يوجب اللعن التخلي في الطرق طرق الناس، وفي الظلال يعني في مكان يستظل به الناس.
ووجه القول بالتحريم: أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أقر اللعن على التخلي في هذا على اللاعنين وإلى هذا ذهب الأصحاب فهو المذهب، وبه قال بعض المالكية وبعض الشافعية وجه الاستدلال واضح بين ؛ حيث جعل النبي –صلى الله عليه وسلم-ذلك موجب للعن، فتسمية النبي –صلى الله عليه وسلم-بالتخلي في هذه المواضع باللاعنين ؛ لكونها تجلب اللعن واتقاء الملاعن واجب، فقضاء الحاجة فيها حرام مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/276)، والمجموع للنووي (2/87)، والمغني (1/122)، وكشاف القناع (1/63)
والقول الثاني في المسألة: وهو رواية عند أحمد أن ذلك يكره، وجعلوا الصارف له عن التحريم أنه من الآداب، وهو مذهب الحنفية، والمالكية في قول، والشافعية، يعني قول الجمهور مراقي الفلاح شرح نور الفلاح ص (27)، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل (1/276), والمجموع للنووي (2/86)، والنكت والفوائد (1/10)، والكافي في فقه الإمام أحمد (1/98)، والإنصاف(1/198).
وقوله –رحمه الله-: (وتحت شجرة عليها ثمرة) جاء بها حديث عند الطبراني بإسناد ضعيف عن ابن عمر "أن النبي – صلى الله عليه وسلم- نهى عن التخلي تحت الأشجار المثمرة وضفة النهر الجاري" أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (3/458)، والطبراني في المعجم الأوسط (2392) ، لكن ينجبر الضعف في هذا الحديث بما جاء في حديث أبي هريرة في الصحيح "اتقوا اللاعنين" صحيح مسلم (269) فإنه نص على أمرين، ويلحق بهما ما وفقهما في المعنى.
وقوله –رحمه الله-: (تحت شجرة) أي ثمرة سواء كان الشجر يقصد للأكل أو غيره أي من المقاصد وسواء كانت الثمرة للإنسان أو لغيره قال: (لأنه يقذرها وكذا في مورد الماء) أي يثبت الحكم كذلك في مورد الماء، وقد جاء به في حديث معاذ في السنن أن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الملاعن الذي تخلي في طريق الناس أو في ظلهم والموارد" سنن أبي داود (26)، وسنن ابن ماجه (328) ، وفي حديث ابن عباس، قال: (وتغوطه بماء مطلقًا) يعني يحرم تغوطه بماء على عموم سواء كان قليلًا أو كثيرًا، وسواء كان جاريًا أو غير جاري الفروع وتصحيح الفروع (1/132)، والإقناع في فقه الإمام أحمد (1/15) .
قال –رحمه الله-: (ويستجمر) بحجر أو نحوه) انتقل بعد ذلك إلى صفة إزالة الخارج من السبيلين.
قوله: (يستجمر) هذا شروع في بيان كيف يستنجي أي كيفية الاستنجاء والاستجمار.
إذًا مما تقدم ذكره إلى أن المؤلف ذكر في الاستنجاء ثلاثة أمور:
الأول: ما يستجب عند قضاء الحاجة.
والثاني: ما يكره عند قضاء الحاجة.
والثالث: ما يحرم عند قضاء الحاجة.
بعد ذلك جاء بصفة الاستنجاء والاستجمار، أي كيفية إزالة الخارج من السبيلين، وذكر في أول ما ذكر الاستجمار ؛ لأنه الأيسر والأكثر حصولًا في الزمن الماضي، فقال: ((ويستجمر) بحجر أو نحوه (ثم يستنجي بالماء)) المقنع في فقه الإمام أحمد ص (26)، والشرح الكبير (1/211) هذا في بيان أكثر الصفات الجمع بين الاستجمار والاستنجاء، وقدم الاستجمار ؛ لأنه أبعد عن مباشرة النجاسة، فقال: (ويستجمر) أي يستعمل الجمار، وهي الحجارة في إزالة الخارج من السبيلين قال: (بحجر أو نحوه) يعني مما يزال به مما سيأتي ذكره فيما يشترط في الاستجمار (ثم يستنجي بالماء) أي يتبع ذلك الماء استعمال الماء (يستنجي) أي يطلب النجوى أي قطع أثر الخارج بالماء.
قال –رحمه الله-في الشرح (لفعله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ رواه أحمد وغيره من حديث عائشة وصححه الترمذي) رواه أحمد (24826)، والترمذي (19)، والنسائي (46)، وابن حبان (1443) والحديث الذي أشار إليه في الجمع بين الاستجمار والاستنجاء رواه الترمذي وغيره إلا أن إسناده ضعيف، فقد ضعفه البخاري والنسائي وغيرهما([1])ينظر المجموع للإمام النووي (2/100), والتلخيص الحبير (1/323)
والفقهاء لهم قاعدة فيما إذا كان الحديث ضعيفاً، إن كان أمرًا أو نهيًا أنه يحمل في الأمر على الاستحباب، وفي النهي على الكراهة، لكن هذا فعل فأخذوا منه الاستحباب بناء على تصحيح الترمذي لهسنن الترمذي (19) ، ولأنه أبلغ في تحقيق المطلوب بالاستنجاء والاستجمار أن يجمع بينهما.