قال: (ويقلم أظفاره مخالفًا وينتف إبطيه) أي ويسن أن يقلم أظفاره وقد جاء النص على سنية تقليم الأظافر فيما جاء في حديث أبي هريرة وفي حديث عائشة وقلم الأظافر قصها والمقصود بالأظافر أظافر اليدين وأظافر القدمين الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/20)، والمغني لابن قدامة (1/65).
وقوله –رحمه الله-: (مخالفًا) أي يخالف بين أصابعه، فيبدأ بأصابع اليد اليمنى من الصغرى ثم الخنصر ثم الوسطى ثم الإبهام ثم السبابة وفي اليد اليسرى يبدأ بالإبهام وهكذا، وقد ذكر بعضهم أنه يبدأ بالخنصر ثم الوسطى ثم السبابة ثم الإبهام ثم يعود إلى البنصر ؛ لكن هذا لا دليل عليه فتح الباري لابن حجر (10/345)، والمغني (1/65)، والمبدع في شرح المقنع (1/85).
والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أنه كيفما تيسر له في قلب أظفاره وكان محققًا للتقليم المندوب، فإنه يتحقق بذلك السنة ؛ لأنه لم يرد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدأ بإصبع دون إصبع، لكن عموم قول: "كان يعجبه التيمن" رواه البخاري (168)، ومسلم (268) يفيد أن يبدأ باليمين في قص أظافره.
قال: (وينتف إبطيه) أي ومن سنن الفطرة أيضًا نتف إبطيه مطالب أولي النهى (1/87)، والمغني لابن قدامة (1/65) ، والإبط هو الشعر النابت تحت المنكبين والسنة فيه النتف وقد جاء النص عليه في حديث أبي هريرة: "خمس من الفطرة" وذكر فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-"نتف الإبط" رواه البخاري (5891)، ومسلم (257) ومثله في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها رواه مسلم (261).
وقوله: (ويحلق عانته) أيضًا هذا من سنن الفطرة، والعانة: هي الشعر النابت حول القبل، والدليل حديث أبي هريرة حيث ذكر العانة، وكذلك جاء نظيره في حديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ والمشروع فيه الحلق كشاف القناع (1/75)، والشرح الكبير لابن قدامة (1/103).
قال: (وله إزالته بما شاء) أي وله إزالة الشعر النابت على العانة بما شاء غير الحلق، لأن المقصود خلو هذا الموضع من الشعر، فكيفما تحقق تحققت السنة، فلو أزاله بغير الحلق تحققت السنة، وقد ذكر لذلك طريقًا فقال: (والتنوير فعله أحمد) المبدع في شرح المقنع (1/85)، والإقناع في فقه الإمام أحمد (1/20) والتنوير استعمال النورة وهي دهن يستعمل بأن يطلى في العانة يزول به الشعر ويسقط، إلا أن بعض أهل العلم ذكر أن الحلق هو على ما يكون في هذا الموضع، لأنه يتحقق به إزالة الشعر وتقوية هذا الموضع، هكذا قال بعض الفقهاء في علة ذكر الحلق في هذا الموضع للنتف الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/254)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/76).
قالوا: إن النتف يرخي جلدة هذا الموضع وهو خلاف المطلوب، أما الحلق فهو يشد هذا الموضع فإذا كان هذا التعليل مستقيمًا فكل ما كان سببًا لإرخاء هذا الموضع فإنه ينبغي ألا يستعمل وأن يستعمل ما يكون شدًا لجلدة هذا الموضع.
وعلى كل حال كما قال المصنف –رحمه الله-: (وله إزالتها بما شاء) شرح النووي على مسلم (3/148)، وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد ص (62) والآن مما يستعمله الناس في إزالة الشعور عمومًا وفي هذا الموضع الليزر يستعملون الليزر وهو إشعاع يسلط على هذا الموضع يفضي إلى تساقط الشعر وزواله.
قال: (ويدفن ما يزيله من شعره وظفره ونحوه) أي ويسن دفن ما يحصل من بقاء الشعور والأظافر بعد إزالتها وليس في هذا ما يستند إليه إنما جاء ذلك عن بعض أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فدليله فعل الصحابي على القول بحجية قوله أو فعله الذي لم يخالف فيه المغني (1/66)، والشرح الكبير (1/255).
قال: (يفعله كل أسبوع يوم الجمعة قبل الزوال) وأيضًا هذا التعيين لا دليل عليه، لكن هذا استفادوه من أن زوال هذه الأشياء من كمال التطهر والتطيب والتهيؤ والتزين، والجمعة طلب فيها الاغتسال، وطلب فيها أخذ كمال الزينة، فكان من ذلك إزالة ما يكون من هذه الشعور المبدع في شرح المقنع (1/85)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/255).
قال –رحمه الله-: (ولا يتركه فوق أربعين يومًا) أي لا يترك أخذ هذه الشعور والأظافر، وهذه الآداب المتعلقة بسنن الفطرة فوق أربعين يومًا ؛ لما جاء في الصحيح من حديث أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقت لهم في قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة ألا يزيد على أربعين يومًا، وقد حمل بعضهم ذلك على الوجوب حاشية ابن عابدين (6/407)، والفتاوى الهندية (5/357) ؛ لكن المذهب أنه إن فعل ذلك فقد وقع في مكروه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/255)، والشرح الكبير (1/105).
وقال آخرون: إن تحديده بالأربعين بناء على غالب حال الناس في أن هذه الشعور إذا بلغت هذا المبلغ، فإنها تبلغ من طول ما يكون مستقبحًا، فلو كان الشعر يطول فيما دون ذلك على وجه المستقبح، فينبغي ألا يترك إلى الأربعين، فليس معنى الإذن في التأخير للأربعين لكل أحد، إنما مبني على غالب حال الناس في أن طول هذه الشعور والأظفار يبلغ حدًا مستكرهًا إذا بلغ هذا الحد، وقد ذكر ذلك النووي وجمع من الفقهاء رحمهم الله شرح النووي على صحيح مسلم (3/150)، والمجموع للنووي (1/286).
قال: (وأما الشارب ففي كل جمعة) أي لا يتركه أربعين ؛ لأنه يطول على نحو من الطول المستقبح المبدع في شرح المقنع (1/85)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/255) (كل جمعة)، ولا دليل في هذا التعيين والتحديد، كما تقدم والناس في هذا تختلف أحوالهم في قوة نمو الشعر وضعفه.
قوله –رحمه الله-: (ومن سنن الوضوء) هذا الشروع في ذكر ما يستحب ويندب للمتوضأ والسنن ثلاثة:
منها: ما هو قبل الوضوء.
ومنها: ما هو أثناء الوضوء.
ومنها: ما هو بعد الفراغ من الوضوء، فسنن الوضوء شاملة لكل هذه المواضع الثلاثة.
وقوله –رحمه الله-: (وهي جمع سنة وفي اللغة الطريقة، والاصطلاح: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه) استطراد في بيان معنى السنة، وبيان أن السنن يثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها شرح منتهى الإرادات (1/46)، ومطالب أولي النهى (1/92).
قال: (وتطلق أيضًا على أقواله وأفعاله) يعني سنن الوضوء تشمل ما كان قولًا وما كان فعلًا.
قال: (وتقريراته صلى الله عليه وسلم) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (1/95) أي وتشمل أيضًا ما كان من تقريراته طبعا هذا الكلام في قوله: (وتطلق) يعني السنة في العموم على أقواله وأفعاله، وهذا لا خلاف فيه (وتقريراته) والتقريرات على أنواع والتفصيل فيما يثبت أنه سنة يحتاج إلى شيء من البسط، فأنواع التقريرات:
الأول: منها ما يفيد الندب إلى الفعل، كما لو رتب النبي –صلى الله عليه وسلم-على الفعل الذي بلغه أو القول الذي بلغه أجرًا، فهذا سنة بإقرار النبي –صلى الله عليه وسلم-بالفاعل وبيان الأجر المرتب على الفعل.
ومثال ذلك قول النبي –صلى الله عليه وسلم-في الذي سمعه يقول في صلاته: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه قال –صلى الله عليه وسلم-لما سمع هذا قال: من المتكلم؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «رَأَيْتُ بضْعَةً وثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أوَّلُ» رواه البخاري (799) وهذا الحديث في صحيح الإمام البخاري من حديث الرفاعة بن رافع قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي –صلى الله عليه وسلم-فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله ولمن حمده، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: من المتكلم؟ قال الرجل أنا قال: «رَأَيْتُ بضْعَةً وثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أيُّهُمْ يَكْتُبُهَا» وهذا يدل على استحباب هذه الكلمة وهذا تقرير، لكنه تقرير بين فيه فضل ما أقره النبي –صلى الله عليه وسلم-فهذا سنة بلا خلاف.
النوع الثاني: هناك ما يكون من التقريرات التي أثبت النبي –صلى الله عليه وسلم-قولها ؛ لكنه لم يبين ثوابها، وإنما أذن بفعلها، فهذه ليست كالتي سبقت.
ومثال ذلك التلبيات التي كان يسمعها النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ من أصحابه، فإنه كان لا يزيد على تلبيته، وأقرهم على ما سمعه من تلبيات كانوا يقولونها، فهذه تلبيات يقال أنها مشروعة أي أذن فيها النبي –صلى الله عليه وسلم-لكن في إثبات أنها سنة مع كونه لم يبين فيها فضلا ولم يقولها، محل تأمل.
ومثله أيضًا إقرار النبي –صلى الله عليه وسلم-الرجل الذي كان يختم قراءته في كل ركعة بقراءة سورة الإخلاص، فإن النبي أقره ؛ لكنه لم يفعل ذلك، وإنما أثنى على الباعث على فعله حيث قال: "سلوه لما كان يصنع ذلك فلما قال: إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها قال –صلى الله عليه وسلم-أخبروه أن الله يحبه لمحبته صفة الرحمن" رواه البخاري (7375) ، لكنه لم يفعل ذلك –صلى الله عليه وسلم-ولم يبين أجرًا في هذا الفعل على وجه الخصوص، فهذا مشروع ؛ لكنه لا يرقى في المشروعية والمنزلة إلى منزلة ما جاء في نحو ما تقدم في قصة الرجل الذي قال بعدما رفع: "ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه"، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-بين في ذلك فضلا وأجرًا لهذه الكلمة.
قوله –رحمه الله-: (وسُمِّي غسل الأعضاء على الوجه المخصوص وضوءًا لتنظيف المتوضأ وتحسينه) الصحاح (1/81)، ولسان العرب (1/194) ، يعني لما يحصل من الوضاءة هذا كله فيما يتعلق ببيان المعنى لقوله: (وسنن الوضوء).
سنن الوضوء
قال –رحمه الله-: (السواك) أي ومن سنن الوضوء السواك وقد تقدم.
قال: (وتقدم أنه يتأكد فيه ومحله عند المضمضة) شرح منتهى الإرادات (1/46)، وكشاف القناع (1/93) أي ومحل السواك المستحب عند المضمضة لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن أَشقَّ على أمَّتي لأمرتُهُم بالسِّواكِ معَ كلِّ وضوءٍ» رواه البخاري معلقاً (1934)، وصححه النووي في المجموع (1/273)، وابن الملقن في البدر المنير (1/720).
وقد ذكر العلماء ـ رحمهم الله ـ في موضع السواك عدة أقوال:
القول الأول: يستحب السواك عند المضمضة، وهذا مذهب الحنابلة ؛ لأنه أعون في تحقيق مقصود المضمضة من تطهير الفم وتطيبه فلما كان السواك متعلق بالفم والمشروع، والفم في الوضوء المضمضة كان موضع السواك المستحب عند المضمضة شرح منتهى الإرادات (1/46)، وكشاف القناع (1/93).
القول الثاني: أنه مستحب قبل الشروع في الوضوء، وهذا مذهب الجمهور ينظر بدائع الصنائع (1/19)، والبناية شرح الهداية (1/200)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/264), والمجموع للنووي (1/273)، وقالوا: إنه الأنسب لأن السواك تطييب والمضمضة يخرج بها ما يكون من أثر السواك.
القول الثالث: وإليه ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الأمر في ذلك واسع لكون الموضعين مما يندرج في عموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن أَشقَّ على أمَّتي لأمرتُهُم بالسِّواكِ معَ كلِّ وضوءٍ» فإن (مع) تفيد المصاحبة وهي شاملة لما كان قبل الوضوء قريب منه، وما كان في أثنائه عند الفرض المتعلق بالفم، أو المشروع المتعلق بالفم وهو المضمضة، وهذا القول أقرب إلى الصواب أن الأمر في ذلك واسع فيض القدير (5/339)، والمبدع في شرح المقنع (1/86).
غسل الكفين
قوله –رحمه الله-: (وغسل الكفين ثلاثًا) في أول الوضوء ولو تحقق طهارتهما) أي ومما يسن في الوضوء غسل الكفين ثلاثاً، وهذا محل اتفاق دلت عليه الأدلة في صفة وضوء النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواه البخاري (164)، ومسلم (226) ـ ولهذا أجمع العلماء على أن من السنة غسل اليدين ثلاثاً في ابتداء الوضوء الأوسط لابن المنذر(1/374)، وشرح النووي على صحيح مسلم (3/105).
((ويجب) غسلهما ثلاثاً بنية وتسمية (من نوم ليل ناقض لوضوء))، وهذا من مفردات المذهب وجوب غسل اليدين في هذه الحال وهي استيقاظهم (من نوم ليل ناقض لوضوء)، ودليل ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «إذا اسْتَيْقَظَ أحَدُكُمْ مِن نَوْمِهِ، فلا يَغْمِسْ يَدَهُ في الإناءِ حتَّى يَغْسِلَها ثَلاثًا؛ فإنَّه لا يَدْرِي أيْنَ باتَتْ يَدُهُ» رواه البخاري (162)، ومسلم (237) والنهي عن غمس يد القائم من نوم ليل في الإناء قبل غسلها محل اتفاق ؛ لكنهم اختلفوا في مرتبة هذا النهي هل هو للتحريم أو للكراهة؟ بداية المجتهد (1/16) على قولين:
الأول: وإليه ذهب الجمهور إلى أن غسل يد القائم من النوم ثلاثًا قبل الغمس سنة البناية شرح الهداية (1/179)، والذخيرة للقرافي (1/274), والحاوي للماوردي (1/102)، والمجموع للنووي (1/349)
والثاني: أن غسل يد القائم من نوم ثلاثًا قبل الغمس في الإناء واجب، وهو المذهب، لكن قصروه على نوم ليل دون نوم النهار، والدليل على قصر ذلك على نوم الليل قوله: "لا يدري أين باتت يده"، لكن في هذا القصر محل نظر ؛ لأن ذكر البيات خرج مخرج الغالب، إذ إن الغالب في النوم يكون ليلًا المغني (1/73)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/168)
وبهذا الحكم لا يقصر على نوم الليل فيما يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ والأقرب من هذين القولين أن الوضوء سنة وليس واجبًا ؛ وذلك أن العلة في أمر النبي –صلى الله عليه وسلم-هو ما قد يطرأ على اليد من تأثير حال النوم، فالأمر محمول على الندب والاستحباب ؛ لأن النصوص قد بينت فرائض الوضوء وواجباته، ولم تذكر غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء المغني (1/73)
فالصارف عن الوجوب أمران:
الأول: بقية الأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن علة الأمر بالغسل أنهم كانوا يستعملون الحجارة وينامون فيعرقون وربما حصلت أيديهم على موضع نجاسة فنجست، وهذا يدل على أن الأمر بالغسل للاستحباب وليس للوجوب.
ومما يؤكد ذلك أنه قال: "لا يدري أين باتت يده"رواه البخاري (162)، ومسلم (237)وما كان كذلك، فإنه محمول على الاستحباب في الأمر والكراهة في النهي، لا على الوجوب والتحريم.
وأيضًا اشترطوا قال: (وبنية وتسمية) أما النية: فلا بد من نية، وأما التسمية: فلا دليل على التسمية ؛ لأن التسمية إنما وجبت للوضوء وهذا ليس وضوء ؛ لأن قوله: (يجب غسلهما ثلاثًا من نوم ليل ناقض لوضوء) سواء كان بين يدي الطهارة أو كان ذلك على وجه العموم يعني لكل من أراد غمس يده سواء كان غمس يده في الإناء للوضوء أو لغيره من المصالح كشاف القناع عن متن الإقناع (1/92)
قال: (ويسقط غسلهما والتسمية سهواً وغسلهما لمعنى فيهما، فلو استعمل الماء ولم يدخل يده في الإناء لم يصح وضوؤه، وفسد الماء) منتهى الإرادات (1/42)، ومطالب أولي النهي (1/93) وهذا إشارة إلى أن المنع ليس لأجل تأثيره على الإناء، إنما لمعنى فيهما فهو أنه صب الماء على يده وجب أن يكون الغسل ثلاثًا فلو اختصر على واحد لم يتحقق المطلوب ولم يصح الوضوء.
قال –رحمه الله-: (لم يصح وضوؤه، وفسد الماء).
المضمضة والاستنشاق
قال: ((و)من سنن الوضوء (البداءة) قبل غسله لوجهه (بمضمضة ثم استنشاق)) تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه قوله: (ثلاثاً ثلاثًا بيمينه واستنثاره بيساره) (ومن سننه المبالغة) فيهما لقوله –صلى الله عليه وسلم-: «بالِغْ في الاستنشاقِ، إلَّا أن تَكونَ صائمًا» أخرجه أبو داود (2366) واللفظ له، والترمذي (788)، والنسائي (87)، وابن ماجه (407) ولذلك قال: (لغير صائم) لاستثناء النبي –صلى الله عليه وسلم-الصائم من المبالغة (فتكره).
قال: (والمبالغة في المضمضة) هذا بيان للمبالغة في المضمضة (إدارة الماء بجميع فمه)، (وفي الاستنشاق) أي والمبالغة في الاستنشاق (جذبه بنفسه إلى أقصى الأنف) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/133)، وكشاف القناع (1/94)
قال: (وبقية الأعضاء دلك ما ينبو عنه الماء) غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى (1/68) يعني ما يشذ عنه ولا يصيبه الماء (للصائم وغيره)، وهذا إشارة إلى أن المبالغة لا تقتصر على المضمضة والاستنشاق، بل على بقية مواضع الوضوء، ويمكن أن يستدل لذلك بما جاء من بيان وجوب الإسباغ وفضيلته، وجاء في الحديث مضمض وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا وجاء الأمر بالإسباغ، فأمر بالإسباغ والوضوء وبين فضيلته، فدل ذلك على أن المبالغة في غير المضمضة والاستنشاق تحصل بالإسباغ، والإسباغ منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب.
الواجب هو أن يعم الماء كل العضو، والمستحب ما زاد على ذلك بتكرار الغسل.
تخليل اللحية
قال –رحمه الله-: وتخليل اللحية الكثيفة أي ويسن (تخليل اللحية الكثيفة) (وهي التي تستر البشرة، فيأخذ كفًا من ماء يضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة أو من جانبيها ويعركها وكذا) الإنصاف (1/104)، وينظر: المغني (1/78) وهي الشعر النابت تحت الشفه (وباقي شعور الوجه).
والدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم-تخليل اللحية في حديث عثمان ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال في صفة وضوء النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه خلل لحيته فقد جاء فيما رواه الترمذي أخرجه أبو داود (145)، وابن ماجه (431)قال: كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يخلل لحيته في الوضوء واختلف العلماء رحمهم الله في حكم هذا التخليل.
المؤلف قال: تخليل اللحية الكثيفة سنة وهو قول جماهير العلماء المجموع للنووي (1/462)، والمغني لابن قدامة (1/78)، وذهب المالكية في قول إلى أن تخليل اللحية الكثيفة واجب البناية شرح الهداية (1/221)، والتلقين في الفقه المالكي (1/23) ، والذي يظهر ما ذهب إليه الجمهور وذلك أن التخليل المنقول عنه فعل، وليس أمرًا، والفعل الأصل في دلالته أنه يفيد الاستحباب.
تخليل الأصابع:
وأما تخليل الأصابع، فقال المصنف –رحمه الله-: (ومن سننه: تخليل الأصابع) الإنصاف (1/134)، والشرح الكبير (1/114) ودليل ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمر بتخليل الأصابع، ففي حديث لقيط الذي ذكرناه قبل قليل قال: «أسْبغِ الوضوءَ، وخلِّلْ بين الأصابعِ، وبالغ في الاستنشاقِ إلا أن تكونَ صائمًا» أخرجه أبو داود (142) مطولاً، والترمذي (788)، والنسائي (87) فذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-تخليل أصابع، وتخليل الأصابع هو تبليغ الماء ما بين الأصابع.
والمقصود بالأصابع (أصابع اليدين والرجلين)، والفقهاء في هذه المسألة على رأيين:
الرأي الأول: رأي جمهور العلماء على أن تخليل أصابع اليدين والرجلين سنة تبيين الحقائق (1/5)، و الحاوي الكبير (1/129)، والشرح الكبير (1/114) ، ووجه حملهم الأمر في حديث لقيط على الاستحباب ما جاء في بقية الأحاديث في صفة وضوئه –صلى الله عليه وسلم-كحديث عثمان وغيره، فإنهم لم يذكروا تخليل النبي –صلى الله عليه وسلم-لأصابعه، فحمل ذلك على الاستحباب.
الرأي الثاني: في تخليل الأصابع أنه على الوجوب وإليه ذهب المالكية في قول استنادًا إلى أن النبي أمر بتخليل الأصابع والأصل في الأمر الوجوب الذخير للقرافي (1/258)، والتنبيه على مبادئ التوجيه (1/285)
ونوقش هذا بأن كل من نقل وضوء النبي –صلى الله عليه وسلم-في الأحاديث الصحيحة لم يذكر التخليل، فدل هذا على أن التخليل ليس واجبًا.
قال –رحمه الله-:( قال في الشرح ـ والمقصود الشرح الكبير ـ وهو في الرجلين أكد الشرح الكبير (1/286)ويخلل أصابع رجليه بخنصر يده اليسرى من باطن رجله اليمنى من خنصر إلى إبهامها وفي اليسرى بالعكس) الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (1/30)، والمغني (1/80)، وهذه الصفة لم يثبت فيها نص يصار إليه عن النبي –صلى الله عليه وسلم-وإنما هو اجتهاد في تحقيق صفة التيامن التي ندب إليها النبي –صلى الله عليه وسلم-بعموم فعله حيث قالت عائشة: "كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره صلى الله عليه وسلم" البخاري (168)، ومسلم (268).
قال: (وأصابع يديه إحداهما بالأخرى، فإن كانت أو بعضها ملتصق سقط) يعني سقط ما يشرع من التخليل.
قال: (ومن سننه) أي من سنن الوضوء (التيامن) البداءة باليمين فيما يتأتى فيه يمين وشمال (بلا خلاف) المجموع (1/383)، والمغني (1/81) .
قال: (وأخذ ماء جديد للأذنين) الكافي في فقه الإمام أحمد (1/71), والمغني (1/79) أي ومن سننه: أخذ ماء جديد للأذنين (بعد مس رأسه) وعنه ما يستحب أخذ ماء جديد للأذنين ؛ لأنه لم يثبت ذلك عن النبي –صلى الله عليه وسلم-وهو الأقرب إلى الصواب ينظر المغني لابن قدامة (1/79)، وبدائع الصنائع (1/23).
قال: (ومجاوزة محل فرض) الكافي في فقه الإمام أحمد (1/69)، ومنار السبيل في شرح الدليل (1/28) يعني في اليدين والرجلين لما جاء ذلك في حديث أبي هريرة في الصحيح: "أن النبي –صلى الله عليه وسلم-غسل يديه حتى أشرع في العضد وغسل رجليه حتى أشرع في الساق" رواه البخاري (136)، ومسلم (246).
قال: (ومن سنن الغسلة الثانية والثالثة) وهذا محل اتفاق بداية المجتهد (1/13)، و شرح النووي على صحيح مسلم(3/106).
قال: (وتكره الزيادة عليها) وقيل تحرم لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "فمن زاد فقد تعدى وظلم" رواه أبو داود (135)، والنسائي (140)، وابن ماجه (422)، وأحمد (6684).
قال: (ويعلم في عدد الغسلات بالأقل ويجوز الاقتصار على الغسلة الواحدة والثنتان أفضل منها والثلاثة أفضل) ويعمل في عدد الغسلات بالأقل يعني في حال الشك ويجوز الاقتصار على الغسلة الواحدة والثنتان أفضل والثلاثة أفضل منهما الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/290)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/102).
قال: (ولو غسل بعض أعضاء الوضوء أكثر من بعض لم يكره) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/137)، وشرح منتهى الإرادات (1/48) ، يعني لو غسل عضوا مرتين وعضوا ثلاث وعضوا مرة فلا بأس بذلك ؛ لثبوته عن النبي –صلى الله عليه وسلم-فقد ثبت عنه أنه غسل بعض أعضاء وضوئه مرتين، وبعضها ثلاثًا رواه البخاري (197)، ومسلم (235).
مسح العنق
قال: (ولا يسن مسح العنق) لأنه ليس من أعضاء الطهارة المبدع في شرح المقنع (1/79)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/107) (ولا الكلام علي الوضوء) أي وليس من السنة الكلام في الوضوء الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/30)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/103).
قيل: بل يكره، والمراد بالكلام هنا غير ذكر الله –عز وجل-وأما ذكر الله فإنه يشرع في كل حين المبدع في شرح المقنع (1/111)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/137), والعلة في كراهية الكلام عن الوضوء قالوا: إنه يشغل عن إكمال الوضوء وإتمامه على الوجه المشروع.