الطهارة من الروض المربع

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 61

التاريخ : 2025-10-19 10:48:12


يقول المصنف –رحمه الله-: (باب فروض الوضوء وصفته) باب خبر مبتدأ مقدر، وتقديره هذا باب فروض الوضوء وصفته، وفروض قال فيه المصنف –رحمه الله- (الفرض لغة يقال لمعان) أي يطلق على عدة معاني (أصلها: الحز والقطع) معجم مقاييس اللغة (4/ 488)، والقاموس المحيط ص( 838)، وكشاف القناع (1/83) أي يجمعها هذا المعنى، وإن كان قد يختص بعضها بمعني غير هذا أو أخص من هذا، ثم قال في تعريفه (شرعًا) أي في لسان الشارع في الكتاب والسنة (شرعاً: ما أثيب فاعله وعوقب تاركه) المبدع في شرح المقنع (1/91)، وكشاف القناع (1/83) ، وهذا هو الواجب.

والعلماء في تعريف الفرض والواجب على قولين:

القول الأول: وهو قول جماهير العلماء على أن الفرض هو الواجب لا فرق بينهما، فهما متردفان.

والقول الثاني: وإليه ذهب الحنفية أن الفرض غير الواجب، فجعلوا الفرض: ما ثبت بدليل قطعي، والواجب: ما ثبت بدليل ظني العدة في أصول الفقه (1/162)، والأشباه والنظائر للسبكي (2/85).

قال –رحمه الله-: (والوضوء) هذا تعريف ما تضمنه عنوان الباب وهو الوضوء.

قال: (والوضوء: استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة) الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/23)، وشرح منتهى الإرادات (1/48) وهذا تعريف للوضوء بفعله وبيان حقيقته، وقد تقدم في كلام المصنف –رحمه الله-ذكر تعريف للوضوء بأنه مأخوذ من الوضاءة وذلك عند قوله: ومن سنن الوضوء ؛ حيث قال الشارح: (وسمي غسل الأعضاء على الوجه المخصوص وضوء لتنظيف المتوضأ وتحسينه).

يقول –رحمه الله-: (وكان فرضه مع فرض الصلاة) المبدع في شرح المقنع (1/91)، وكشاف القناع (1/84) هذا بيان زمن فرض الوضوء، وأنه فرضه الله ـ تعالى ـ مع فرض الصلاة، والصلاة من الشرائع التي تقدم فرضها في الإسلام، فهي من أوائل ما أمر الله ـ تعالى ـ به رسوله –صلى الله عليه وسلم-كما في قوله ـ تعالى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾[المزمل: 1-4] فأول ما أمر الله ـ تعالى ـ به أهل الإيمان الصلاة، فهو فرض سابق متقدم، وكان الوضوء مفروضًا مع فرض الصلاة.

قوله –رحمه الله-: (كما رواه ابن ماجه) سنن ابن ماجه (462)، وأحمد (4/ 161) أي جعل الدليل على اقتران فرض الوضوء في فرض الصلاة ما رواه ابن ماجه المبدع (1/91)، وكشاف القناع (1/84) ، وابن ماجه ممن يذكر الأحاديث وهي على نوعين:

النوع الأول: ما يكون في سائر الكتب الستة، فهذا ينظر إليه والغالب فيه الصحة والثبوت.

والنوع الثاني: ما انفرد به ابن ماجه، وهذا الغالب فيه الضعف، ولهذا لما ذكر المؤلف –رحمه الله-هذه المسألة، عطف عليها قوله: (ذكره في المبدع) يعني كأن ذلك إيحاء بأنه لم يأتي ذلك بطريق قوي يستند إليه.

على كل حال ليس ثمة حديث صحيح صريح يبين زمن فرض الوضوء، ولهذا يبقى الأمر على نحو من اجتهاد الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أن عامتهم يرون أنه فرض في مكة مع فرض الصلاة، هذا قول جماهير العلماء أن فرض الوضوء في مكة مع فرض الصلاة، وهو ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية الدر المختار (1/90)، وبداية المحتاج (1/131), وكشاف القناع (1/84).

وقد اختلف العلماء فيما يتعلق بالوضوء هل هو من خصائص هذه الأمة أو لا؟!

والعلماء في هذه المسألة على قولين، والظاهر ـ والله تعالى أعلم ـ أنه على الصفة المشروعة هو من خصائص الأمة البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/10)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/180)، والمقدمات والممهدات (1/71)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/109) ، ولذلك كان علامة ما بين النبي –صلى الله عليه وسلم-وأمته آثار الوضوء كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه قال –صلى الله عليه وسلم-: «يُدْعَوْنَ يَومَ القِيامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوءِ» أخرجه مسلم (246) فلو كان هذا على هذه الصفة في سائر الأمم لما تميزت به الأمة، ولما كانت علامة يعرف بها النبي –صلى الله عليه وسلم-أمته.

  

قال –رحمه الله-: (وفروضه ستة)

فروض الوضوء ستة، ودليل هذا العد الاستقراء، وهذا مضطرد في كل ما ذكره الفقهاء من الأعداد إلا ما ندر أن دليل ذلك الاستقراء أي تتبع النصوص الواردة في فرض الوضوء دلت على أن فروضه ستة:

 (أحدها: (غسل الوجه)) المجموع (1/371)، والمغني (1/85) والوجه: ما تحصل به المواجهة، ويأتي بيان حده في كلام المصنف –رحمه الله-(لقوله ـ تعالى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾[المائدة: 6].

ثم قال: (والفم والأنف منه) الشرح الكبير (1/293)، والممتع في شرح المقنع (1/142) أي أن الفم والأنف مما يدخل في عموم الوجه، ولا خلاف بين أهل العلم في مشروعية المضمضة والاستنشاق، فهذا محل اتفاق ؛ لفعل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ومداومته على ذلك، فكل من وصف وضوء النبي –صلى الله عليه وسلم-ذكر المضمضة والاستنشاق في وضوئه صلى الله عليه وآله وسلم المغني لابن قدامة (1/88 ـ 89).

ولذلك قال هنا: (والفم والأنف منه) أي من الوجه فهما فرض، وهذا محل خلاف، ولذلك قرر المؤلف قال: (أي من الوجه لدخولهما في حده فلا تسقط المضمضة والاستنشاق في وضوء ولا غسل، لا عمداً، ولا سهواً)، فهما واجبان في الوضوء وفي الغسل، والدليل الآية في قوله ـ تعالى ـ: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾[المائدة: 6] والفم والأنف من الوجه فيدخلان في الوضوء، وهذا الذي ذكر المؤلف –رحمه الله-ومن مفردات مذهب الحنابلة الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/152)، وكشاف القناع (1/96).

أما عند جمهور العلماء فإن المضمضة والاستنشاق ليسا واجبين في الوضوء، بل هما مستحبان المبسوط للسرخسي (1/62)، والمعونة على مذهب عالم المدينة ص (122)، والكافي في فقه أهل المدينة (1/170)، والحاوي الكبير للماوردي (1/103)، والمجموع للنووي (1/362).وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنهما واجبان في الغسل دون الوضوء وهذا مذهب أحمد المغني لابن قدامة (1/88)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/325) وكذلك مذهب الحنفية التجريد للقدوري (1/108)، والمبسوط للسرخسي (1/62) أنهما واجبان في الغسل دون الوضوء، والحنابلة هما واجبان فيهما.

قال: (لا عمداً ولا سهوًا) أي لا يسقطان عمدًا ولا سهوًا ؛ لأنهما فرض، والفرض يجب الإتيان به فلا يسقط بالسهو، ولا يصح الوضوء من دونهما المغني لابن قدامة (1/90)، والجامع لعلوم الإمام أحمد (5/204).

  

قال –رحمه الله-: (و)(الثاني) أي من فروض الوضوء ((غسل اليدين) مع المرفقين) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/157)، والمغني لابن قدامة (1/90) أي من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، والمرفقان داخل الغسل، والدليل قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾[المائدة: 6] فالمرفقان داخلان في الغسل ؛ لقوله ـ تعالى ـ: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾[المائدة: 6] فــ (إلى) بمعنى (مع) فدخلت المرافق في المغسول ؛ لقوله ـ تعالى ـ: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾[المائدة: 6] وهذا ما ذهب إليه الحنفية البناية شرح الهداية (1/ 162)، وبدائع الصنائع (1/4) والمالكية الكافي في فقه أهل المدينة (1/168)، والذخيرة للقرافي (1/255) والشافعية المجموع للنووي (1/385)، والحاوي الكبير للماوردي (1/112) ، يعني هو قول المذاهب الأربعة، فالمذاهب الأربعة على وجوب غسل المرفقين مع اليدين في الوضوء

  

قال: (و) (الثالث) أي من فروض الوضوء ((مسح الرأس) كله) الإنصاف  في معرفة الراجح من الخلاف (1/161)، والمغني لابن قدامة (1/93) ، والدليل على ذلك قول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾[المائدة: 6].

وقوله –رحمه الله-: (كله) يفيد وجوب استيعاب المسح لجميع الرأس، وهذا من حيث المشروعية لا خلاف فيه، فالعلماء مجموعون على مشروعية استيعاب جميع الرأس في الوضوء بالمسح ؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري (197)، ومسلم (235).

لكنهم اختلفوا في وجوب ذلك هل هو واجب أو لا؟

وهم في ذلك على أقوال:

القول الأول: وهو القول الذي جرى عليه المؤلف، وهو المذهب أن استيعاب جميع الرأس واجب ؛ لقول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾[المائدة: 6] وهذا يقتضي المسح لجميع الرأس دون استثناء مواهب الجليل (1/359)، والذخيرة للقرافي (1/259)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/161)، والمغني لابن قدامة (1/93).

والقول الثاني: أن مسح جميع الرأس ليس واجبًا، بل هو من المستحبات، وذلك أنه ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه مسح بعض رأسه ومسح على الناصية ، كما سيأتي في حديث المغيرة بن شعبة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية التجريد للقدوري (1/118)، والمبسوط للسرخسي (1/63) ، والشافعية الحاوي الكبير للماوردي (1/114)، والمجموع للنووي (1/398).

فالحنفية والشافعية رأوا أنه يجزئ مسح بعض ما يظهر من الرأس، ولا يجب الاستيعاب، واختلفوا في القدر الذي يمسح عليه من الرأس على قولين:

القول الأول: أن أدنى ما يكون من المسح محقق من المطلوب، وهو ما ذهب إليه الشافعية العزيز شرح الوجيز للرافعي (1/113)، وروضة الطالبين للنووي (1/53).

القول الثاني:  يرى أن القدر الواجب في المسح هو ربع الرأس، وهو ما ذهب إليه الحنفية في قول التجريد للقدوري (1/118)، والمبسوط للسرخسي (1/63)، وبدائع الصنائع (1/4).

وأما الحنابلة والمالكية مواهب الجليل (1/359)، والذخيرة للقرافي (1/259) فيرون وجوب استيعاب الرأس بالمسح، فيجزئ الاقتصار على مسح بعض ما يظهر من الرأس، بل لا بد من استيعاب جميع الرأس، وهذا هو الأقرب فيما يظهر، والله تعالى أعلم.

قال –رحمه الله-: (ومنه الأذنان) الفروع وتصحيح الفروع (1/181)، وكشاف القناع (1/100) أي ومن الرأس الأذنان فيدخلان فيما يجب مسحه، ولا خلاف بين أهل العلم في مشروعية مسح الأذنين، إلا أنهم اختلفوا في كون الأذنين تابعان للرأس أو تابعان للوجه:

 فالجمهور وهو المذهب على أن مسح الأذنين تابع للرأس في الوضوء التجريد للقدوري (1/128)، وبدائع الصنائع (1/23)، والكافي في فقه أهل المدينة (1/170)، والذخيرة للقرافي (1/165)، والمغني (1/79) ، وذلك لما جاء في صفة وضوئه –صلى الله عليه وسلم-"وأنه مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه" رواه الترمذي (36)، والنسائي (102)، وابن ماجه (439) ، فكان مسح الأذنين مع مسح الرأس، فدل على أن الأذنين تابعان للرأس فيما يتعلق بالمسح.

وأما ما يتعلق بالحكم حكم مسح الأذنين فهذا محل خلاف بين العلماء وذلك على قولين:

القول الأول: وهو ما قرره المؤلف أن مسح الأذنين واجب الفروع وتصحيح الفروع (1/181)، وكشاف القناع (1/100).

والقول الثاني: وإليه ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن مسح الأذنين ليس واجبًا، بل هو سنة العناية شرح الهداية (1/27)، وحاشية الطحطاوي ص (47)، والذخيرة للقرافي (1/277)، والمجموع للنووي (1/413)، والحاوي الكبير للماوردي (1/120) واستدلوا لذلك بأن النبي –صلى الله عليه وسلم-مسح على العمامة ولم يمسح على الأذنين.

وقد حكي أنه لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يجب مسح الأذنين فيما إذا مسح على العمامة، نقل ذلك ابن قدامه في "المغني" المغني لابن قدامة (1/220) ، فلما سقط مسح الأذنين في المسح على العمامة دل على أن مسحهما ليس فرضًا وإلا لما سقط.

قوله –رحمه الله-: (لقوله ـ تعالى ـ: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾[المائدة: 6] والأذنان منه، (وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "الأذنان من الرأس" رواه ابن ماجه) ورواه أبو داود والترمذي من حديث أبي أمامة أخرجه أبو داود (134)، والترمذي (37)، وابن ماجه (444)، وأحمد (22277).

قوله –رحمه الله-: (و) (الرابع:) أي الرابع من فروض الوضوء: (غسل الرجلين) مع الكعبين لقوله ـ تعالى ـ: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾[المائدة: 6] وهذا محل اتفاق بين أهل العلم التمهيد لابن عبد البر (4/31)، والمجموع للنووي (1/ 417)، والحاوي الكبير (1/ 123)، والأوسط لابن المنذر (2/60) أن غسل الرجلين من فروض الوضوء، وأنه لا يتم وضوء دون ذلك ؛ للآية، ولفعل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ودخول الكعبين كدخول المرفقين دل عليه قوله ـ تعالى ـ ﴿إِلَى﴾ وهي بمعنى (مع) ، والأصل في هذا أن الغاية يعني النهاية إذا كانت من جنس المغيا أي ما ذكرت نهايته دخلت فيه، والمرفقان والكعبان من جنس المغيا، فتدخلان فيه هذا من جهة اللغة، قالوا: (إلى) بمعنى (مع).

وأما السنة ففعل النبي –صلى الله عليه وسلم-ففي الصحيح من حديث أبي هريرة أنه –صلى الله عليه وسلم-"غسل يديه حتى أشرع في العضد وفي الساق وفي القدمين غسل رجليه حتى أشرع في الساق" أخرجه البخاري (136)، ومسلم (246).

قال: (و) (الخامس) أي من فروض الوضوء الترتيب الكافي في فقه الإمام أحمد (1/67)، والمغني لابن قدامة (1/100) أي بين أعضاء الطهارة بين الفروض المتقدم ذكرها.

قال: (على ما ذكره الله تعالى)، يعني على نحو ما بينه الله ـ تعالى ـ في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾[المائدة: 6] وجه الدلالة في الآية على وجوب الترتيب قال: (لأن الله ـ تعالى ـ أدخل الممسوح بين المغسولات) والممسوح هو مسح الرأس أدخله بين المغسولات، فقدمه على غسل الرجلين المبدع في شرح المقنع (1/92)، وكشاف القناع (1/83).

قال: (ولا نعلم لهذا فائدة) يعني في جعل الممسوح بين المغسولات (غير الترتيب)، هذا دليل مما استدلوا به على وجوب الترتيب.

والدليل الآخر: (والآية سيقت لبيان الوجوب، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رتب الوضوء) فكان الواجب واجبًا، فالترتيب واجب لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قال: "وهذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" أخرجه أحمد (5735)، وابن ماجه (419) ، والمشار إليه ما فعله –صلى الله عليه وسلم-من وضوء وكان مرتبًا.

قال: (فلو بدأ بشيء من الأعضاء قبل الوجه لم يحسب له ....إلى آخر ما ذكر)، ومما استدلوا به على وجوب الترتيب ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر "أبدأ بما بدأ الله به" صحيح مسلم (1218)  بصيغة الخبر، وهو خبر يتضمن أمرًا يبين هذا ما جاء في رواية النسائي ؛ حيث قال –صلى الله عليه وسلم-"ابدؤوا بما بدأ الله به" أخرجه النسائي في السنن الكبرى (3968)  بصيغة الأمر، وهذا دليل على الوجوب، وهذا مذهب الحنابلة، وهو أيضًا مذهب الشافعية المجموع للنووي (1/443)، ومغني المحتاج للشربيني  الخطيب (1/54) ، وهذا هو القول الأول في حكم الترتيب.

والقول الثاني: وهو ما ذهب الحنفية المبسوط للسرخسي (1/55)، وبدائع الصنائع للكاساني (1/17) ، والمالكية الكافي في فقه أهل المدينة (1/167)، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/23) أن الترتيب مستحب غير واجب.

واستدلوا على ذلك بما يلي:

أولاً: أن الآية ذكرت فروض الوضوء متعاطفة بالواو وهي لا تدل على الترتيب بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/23)، والبحر الرائق في شرح كنز الدقائق (1/28).

ثانياً: فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- يدل على الاستحباب والمشروعية المبسوط للسرخسي (1/56)، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/23) ، وهذا محل اتفاق كما تقدم.

والأقرب ـ والله تعالى أعلم ـ ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من وجوب الترتيب لإدامة النبي –صلى الله عليه وسلم- على ذلك والمحافظة عليه.

يقول –رحمه الله-: (ولو بدأ بشيء من الأعضاء قبل غسل الوجه لم يحسب له) المبدع في شرح المقنع (1/92) هذا تفريع على مسألة وجوب الترتيب.

يقول –رحمه الله-: (فلو بدأ بشيء من الأعضاء قبل غسل الوجه لم يحسب له، وإن توضأ منكساً أربع مرات) يعني ابتدأ من رجليه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه إلى مرفقيه، ثم غسل وجهه، كرر هذا أربع مرات فإنه يحصل له وضوء مجزئ.

قال: (صح وضوؤه إن قرب الزمن) يعني شرط أن يكون زمنه قريبًا المغني لابن قدامة (1/101)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/199).

قال –رحمه الله-: (ولو غسلها جميعًا دفعة واحدة) غسل جميع أعضاء الوضوء (لم يحسب له غير الوجه) لأنه يجب الترتيب، فإذا غسلت جميعًا لم يكن ذلك مرتبًا المبدع في شرح المقنع (1/92)، وشرح العمدة لابن تيمية ص (204).

قال: (وإن غمس ناويًا في ماء وخرج مرتبًا) يعني يخرج وجهه ثم يديه ثم يمسح رأسه ثم يخرج من الماء (أجزئه وإلا فلا) يعني وإن لم يكن كذلك فلا يجزئه المغني لابن قدامة (1/102)، والمبدع في شرح المقنع (1/93).

وهذا فيما يتعلق بفروض الوضوء، أما في العضو الواحد، فإنه لا يجب الترتيب بالإجماع الشرح الكبير على المقنع (1/287)، والمغني لابن قدامة (1/81) ، بمعنى في غسل اليدين فقدم اليسرى على اليمنى، صح وضوئه، ولو غسلهما جميعًا صح وضوئه، وكذلك الرجلين لو قدم اليسرى على اليمنى، صح وضوئه، ولو غسلهما جميعًا صح وضوئه.

والدليل على هذا الآية قوله ـ تعالى ـ: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾[المائدة: 6].

وفي القدمين قال: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾[المائدة: 6] فذكرهما الله ـ تعالى ـ جميعا، فالله ـ تعالى ـ ذكر مخرجهما واحدا فدل على أنهما سواء وأنه لا يضر فيهما تقديم وتأخير.

  

قال –رحمه الله-: (و) (السادس) أي من فروض الوضوء (الموالاة) الكافي في فقه الإمام أحمد (1/68)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/200) ، والموالاة المقصود بها المقاربة من ولي الشيء إذا اقترب منه، والمقصود بالموالاة ألا يباعد ويفصل بين أعضاء الطهارة («لأنه –صلى الله عليه وسلم-رأى رجلًا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصيبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء» أخرجه أبو داود: (175)، وأحمد ( 15495)  رواه أحمد وغيره.

وجه الدلالة في الحديث: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "أمره أن يعيد الوضوء" أي أن يبتدئه من أوله لا أن يتم على ما تقدم من صحيح وضوئه، وهذا مذهب الإمام أحمد المغني لابن قدامة (1/102)، والمبدع في شرح المقنع (1/93)–رحمه الله-وهو قديم قولي الشافعي المجموع للنووي (1/455) ، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمر هذا الرجل بأن يعيد الوضوء ولم يأمره بغسل اللمعة فقط.

وقوله –رحمه الله-: (وهي) أي الموالاة (ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله) (بزمن معتدل أو قدره من غيره، ولا يضر إن جف الاشتغال... إلى آخره) الكافي في فقه الإمام أحمد (1/68)، والشرح الكبير (1/121).

قوله: (وهي) هذا بيان للموالاة الواجبة التي هي فرض، (ألا يؤخر غسل عضو) أي من أعضاء الطهارة (حتى ينشف الذي قبله) يعني لا بد أن ينشف الذي قبله (بزمن معتدل) أي بزمن متعارف عليه أنه لا يؤثر في فصل أعضاء الطهارة (أو قدره من غيره) أي قدر الزمن المعتدل من غيره، وذلك فيما إذا كان الجو على نحو خارج عن المعروف والمعتدل الذي يجري به الحال في موضع الوضوء، فمعلوم أنه في زمن اعتدال الجو بين الحرارة والبرودة يكون النشاف على نحو مختلف عنه في زمن شدة الحر، وعنه في زمن شدة البرد، ولهذا قال: (بزمن معتدل) يعني يكون الجو فيه على نحو من الاعتدال بين الحرارة والبرودة أو قدره في زمن شدة الحر، وكذلك في زمن شدة البرد.

قال: (ولا يضر إن جف لاشتغال بسنة) (لا يضر) أي التأخر في غسل الأعضاء ولا يفوت الموالاة إن جف لاشتغال بسنة كتخليل وإسباغ أو إزالة وسوسة أو وسخ، فإن هذا لا يضر   لأنه اشتغال بتكميل ما يجب من الطهارة شرح منتهى الإرادات (1/51)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/105).

لكن في قوله: (وإزالة وسوسة) أحيانا تكون الوسوسة على نحو خارج عن المألوف، بأن تمتد لساعات كما يجري من بعض من ابتلي بهذا، فلا فرق بين أن تكون الوسوسة في وقت قصير أو طويل مراعاة لهذه الحالة المرضية شرح منتهى الإرادات (1/51)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/105).

فقوله –رحمه الله-: (وإزالة وسوسة) يشمل ما طال وقته أو قصر، أو وسخ كوسخ على عضو من أعضاء الطهارة يمنع وصول الماء، فيشتغل بإزالته.

قال –رحمه الله-: (ويضر) أي بالموالاة (ويضر لاشتغال بتحصيل ماء) بأن يبدأ مثلا بغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وينقضي الماء فيطلبه، فيجده بعد وقت جف فيه ما تقدم مطالب أولي النهى (1/103)، و شرح منتهى الإرادات (1/51).

قال: (أو إسراف) يعني في استعمال الماء (أو نجاسة) أي في إزالة نجاسة (أو وسخ) في غير طهارة يعني وسخ في غير مواضع الطهارة، كل هذه الاشتغالات إذا طالت ؛ بحيث أخرت غسل عضو حتى نشف الذي قبله أي حتى يزول ما على العضو من بلل ورطوبة، فإنها تفوت الموالاة.

وقوله –رحمه الله-: (وسبب وجوب الوضوء الحدث ويحل جميع البدن كجنابة) الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/23)، وشرح منتهى الإرادات (1/49) إشارة إلى الموجب للوضوء، فالموجب للوضوء هو الحدث، وهو كما تقدم: معنى يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها، فالحدث أمر معنوي، وعلم بذلك أنه لا وضوء للخبث أي للنجاسة، فإنه لا يشرع وضوء فيما إذا أصابت الإنسان نجاسة، وهذا مما يشكل على بعض الناس فيقول: باشرت نجاسة فهل ينتقض وضوئي أو لا؟

الجواب: لا علاقة للوضوء بمباشرة النجاسة، فالوضوء باق، والواجب إزالة ما أصابك من النجاسة، إن كان قد أصابك منها شيء.

وقوله: (ويحل جميع البدن كالجنابة) يعني أنه وصف لا يقتصر على أعضاء الطهارة، فحسب، بل هو عام شامل لكل البدن.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق