يقول المصنف –رحمه الله-: (باب فروض الوضوء وصفته) باب خبر مبتدأ مقدر، وتقديره هذا باب فروض الوضوء وصفته، وفروض قال فيه المصنف –رحمه الله- (الفرض لغة يقال لمعان) أي يطلق على عدة معاني (أصلها: الحز والقطع) معجم مقاييس اللغة (4/ 488)، والقاموس المحيط ص( 838)، وكشاف القناع (1/83) أي يجمعها هذا المعنى، وإن كان قد يختص بعضها بمعني غير هذا أو أخص من هذا، ثم قال في تعريفه (شرعًا) أي في لسان الشارع في الكتاب والسنة (شرعاً: ما أثيب فاعله وعوقب تاركه) المبدع في شرح المقنع (1/91)، وكشاف القناع (1/83) ، وهذا هو الواجب.
والعلماء في تعريف الفرض والواجب على قولين:
القول الأول: وهو قول جماهير العلماء على أن الفرض هو الواجب لا فرق بينهما، فهما متردفان.
والقول الثاني: وإليه ذهب الحنفية أن الفرض غير الواجب، فجعلوا الفرض: ما ثبت بدليل قطعي، والواجب: ما ثبت بدليل ظني العدة في أصول الفقه (1/162)، والأشباه والنظائر للسبكي (2/85).
قال –رحمه الله-: (والوضوء) هذا تعريف ما تضمنه عنوان الباب وهو الوضوء.
قال: (والوضوء: استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة) الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/23)، وشرح منتهى الإرادات (1/48) وهذا تعريف للوضوء بفعله وبيان حقيقته، وقد تقدم في كلام المصنف –رحمه الله-ذكر تعريف للوضوء بأنه مأخوذ من الوضاءة وذلك عند قوله: ومن سنن الوضوء ؛ حيث قال الشارح: (وسمي غسل الأعضاء على الوجه المخصوص وضوء لتنظيف المتوضأ وتحسينه).
يقول –رحمه الله-: (وكان فرضه مع فرض الصلاة) المبدع في شرح المقنع (1/91)، وكشاف القناع (1/84) هذا بيان زمن فرض الوضوء، وأنه فرضه الله ـ تعالى ـ مع فرض الصلاة، والصلاة من الشرائع التي تقدم فرضها في الإسلام، فهي من أوائل ما أمر الله ـ تعالى ـ به رسوله –صلى الله عليه وسلم-كما في قوله ـ تعالى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾[المزمل: 1-4] فأول ما أمر الله ـ تعالى ـ به أهل الإيمان الصلاة، فهو فرض سابق متقدم، وكان الوضوء مفروضًا مع فرض الصلاة.
قوله –رحمه الله-: (كما رواه ابن ماجه) سنن ابن ماجه (462)، وأحمد (4/ 161) أي جعل الدليل على اقتران فرض الوضوء في فرض الصلاة ما رواه ابن ماجه المبدع (1/91)، وكشاف القناع (1/84) ، وابن ماجه ممن يذكر الأحاديث وهي على نوعين:
النوع الأول: ما يكون في سائر الكتب الستة، فهذا ينظر إليه والغالب فيه الصحة والثبوت.
والنوع الثاني: ما انفرد به ابن ماجه، وهذا الغالب فيه الضعف، ولهذا لما ذكر المؤلف –رحمه الله-هذه المسألة، عطف عليها قوله: (ذكره في المبدع) يعني كأن ذلك إيحاء بأنه لم يأتي ذلك بطريق قوي يستند إليه.
على كل حال ليس ثمة حديث صحيح صريح يبين زمن فرض الوضوء، ولهذا يبقى الأمر على نحو من اجتهاد الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أن عامتهم يرون أنه فرض في مكة مع فرض الصلاة، هذا قول جماهير العلماء أن فرض الوضوء في مكة مع فرض الصلاة، وهو ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية الدر المختار (1/90)، وبداية المحتاج (1/131), وكشاف القناع (1/84).
وقد اختلف العلماء فيما يتعلق بالوضوء هل هو من خصائص هذه الأمة أو لا؟!
والعلماء في هذه المسألة على قولين، والظاهر ـ والله تعالى أعلم ـ أنه على الصفة المشروعة هو من خصائص الأمة البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/10)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/180)، والمقدمات والممهدات (1/71)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/109) ، ولذلك كان علامة ما بين النبي –صلى الله عليه وسلم-وأمته آثار الوضوء كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه قال –صلى الله عليه وسلم-: «يُدْعَوْنَ يَومَ القِيامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوءِ» أخرجه مسلم (246) فلو كان هذا على هذه الصفة في سائر الأمم لما تميزت به الأمة، ولما كانت علامة يعرف بها النبي –صلى الله عليه وسلم-أمته.
قال –رحمه الله-: (و) (السادس) أي من فروض الوضوء (الموالاة) الكافي في فقه الإمام أحمد (1/68)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/200) ، والموالاة المقصود بها المقاربة من ولي الشيء إذا اقترب منه، والمقصود بالموالاة ألا يباعد ويفصل بين أعضاء الطهارة («لأنه –صلى الله عليه وسلم-رأى رجلًا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصيبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء» أخرجه أبو داود: (175)، وأحمد ( 15495) رواه أحمد وغيره.
وجه الدلالة في الحديث: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "أمره أن يعيد الوضوء" أي أن يبتدئه من أوله لا أن يتم على ما تقدم من صحيح وضوئه، وهذا مذهب الإمام أحمد المغني لابن قدامة (1/102)، والمبدع في شرح المقنع (1/93)–رحمه الله-وهو قديم قولي الشافعي المجموع للنووي (1/455) ، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمر هذا الرجل بأن يعيد الوضوء ولم يأمره بغسل اللمعة فقط.
وقوله –رحمه الله-: (وهي) أي الموالاة (ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله) (بزمن معتدل أو قدره من غيره، ولا يضر إن جف الاشتغال... إلى آخره) الكافي في فقه الإمام أحمد (1/68)، والشرح الكبير (1/121).
قوله: (وهي) هذا بيان للموالاة الواجبة التي هي فرض، (ألا يؤخر غسل عضو) أي من أعضاء الطهارة (حتى ينشف الذي قبله) يعني لا بد أن ينشف الذي قبله (بزمن معتدل) أي بزمن متعارف عليه أنه لا يؤثر في فصل أعضاء الطهارة (أو قدره من غيره) أي قدر الزمن المعتدل من غيره، وذلك فيما إذا كان الجو على نحو خارج عن المعروف والمعتدل الذي يجري به الحال في موضع الوضوء، فمعلوم أنه في زمن اعتدال الجو بين الحرارة والبرودة يكون النشاف على نحو مختلف عنه في زمن شدة الحر، وعنه في زمن شدة البرد، ولهذا قال: (بزمن معتدل) يعني يكون الجو فيه على نحو من الاعتدال بين الحرارة والبرودة أو قدره في زمن شدة الحر، وكذلك في زمن شدة البرد.
قال: (ولا يضر إن جف لاشتغال بسنة) (لا يضر) أي التأخر في غسل الأعضاء ولا يفوت الموالاة إن جف لاشتغال بسنة كتخليل وإسباغ أو إزالة وسوسة أو وسخ، فإن هذا لا يضر لأنه اشتغال بتكميل ما يجب من الطهارة شرح منتهى الإرادات (1/51)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/105).
لكن في قوله: (وإزالة وسوسة) أحيانا تكون الوسوسة على نحو خارج عن المألوف، بأن تمتد لساعات كما يجري من بعض من ابتلي بهذا، فلا فرق بين أن تكون الوسوسة في وقت قصير أو طويل مراعاة لهذه الحالة المرضية شرح منتهى الإرادات (1/51)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1/105).
فقوله –رحمه الله-: (وإزالة وسوسة) يشمل ما طال وقته أو قصر، أو وسخ كوسخ على عضو من أعضاء الطهارة يمنع وصول الماء، فيشتغل بإزالته.
قال –رحمه الله-: (ويضر) أي بالموالاة (ويضر لاشتغال بتحصيل ماء) بأن يبدأ مثلا بغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وينقضي الماء فيطلبه، فيجده بعد وقت جف فيه ما تقدم مطالب أولي النهى (1/103)، و شرح منتهى الإرادات (1/51).
قال: (أو إسراف) يعني في استعمال الماء (أو نجاسة) أي في إزالة نجاسة (أو وسخ) في غير طهارة يعني وسخ في غير مواضع الطهارة، كل هذه الاشتغالات إذا طالت ؛ بحيث أخرت غسل عضو حتى نشف الذي قبله أي حتى يزول ما على العضو من بلل ورطوبة، فإنها تفوت الموالاة.
وقوله –رحمه الله-: (وسبب وجوب الوضوء الحدث ويحل جميع البدن كجنابة) الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/23)، وشرح منتهى الإرادات (1/49) إشارة إلى الموجب للوضوء، فالموجب للوضوء هو الحدث، وهو كما تقدم: معنى يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها، فالحدث أمر معنوي، وعلم بذلك أنه لا وضوء للخبث أي للنجاسة، فإنه لا يشرع وضوء فيما إذا أصابت الإنسان نجاسة، وهذا مما يشكل على بعض الناس فيقول: باشرت نجاسة فهل ينتقض وضوئي أو لا؟
الجواب: لا علاقة للوضوء بمباشرة النجاسة، فالوضوء باق، والواجب إزالة ما أصابك من النجاسة، إن كان قد أصابك منها شيء.
وقوله: (ويحل جميع البدن كالجنابة) يعني أنه وصف لا يقتصر على أعضاء الطهارة، فحسب، بل هو عام شامل لكل البدن.