وقوله: (ومن غرفة أفضل) أي أن حصول المضمضة والاستنشاق ثلاثاً ثلاثاً من غرفة واحدة أفضل ؛ لثبوت ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في صفة وضوئه أخرجه البخاري (191).
قال –رحمه الله-: (ويستنثر بيساره) لما ذكر الاستنشاق وهو جذب الماء إلى داخل الأنف ذكر إخراجه وهو الاستنثار فقال: (ويستنثر) أي يدفع الماء الذي جذبه بأنفه في الاستنشاق بيساره أي مستعمل يساره في ذلك الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/26)، وكشاف القناع (1/105).
ثم قال: (ويغسل وجهه) الشرح الكبير (1/329)، والوجيز في الفقه على مذهب الإمام أحمد ص (53) هذا سادس ما ذكره المؤلف –رحمه الله-في صفة الوضوء الكامل أن يغسل وجهه (ثلاثاً)، وهذا فرض من فروض الوضوء كما تقدم، (وحده) أي حد الوجه (من منابت شعر الرأس) المعتادغالباً) أي من مواضع نبات شعر الرأس المعتاد سواء كان ذا شعر أو كان غير ذا شعر، فمن كان له شعر فمن منابت الشعر المعتاد، وإن كان غير ذا شعر فلو قدر أن له شعر يكون من منابت شعر رأسه المعتاد.
قال: إلى (ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً) مع ما استرسل من اللحيين) أي أن الوجه الذي يشرع غسله في الوضوء الكامل ما ذكره –رحمه الله-من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولًا الكافي في فقه الإمام أحمد (1/61)، والمغني (1/85).
وقوله: (مع ما استرسل من اللحيين)، اللحيان هما العظمان اللذان في أسفل الوجه، وهما منه والحديث الآن عن اللحيين لا عن اللحية.
قال: (ومن الأذن إلى الأذن عرضاً) لأن ذلك تحصل به المواجهة والأذنان ليسا من الوجه) أي أن الوجه حده من جهة العرض من الأذن إلى الأذن، ثم لما ذكر أنه من الأذن إلى الأذن قال: (والأذنان ليسا من الوجه) وذلك أن الأذنين تابعان للرأس ؛ لما جاء في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "والأذنان من الرأس" أخرجه أبو داود (134)، والترمذي (37)، وابن ماجه (444)، وأحمد (22277) ، ولما جاء في حديث عبد الله بن عمرو أنه قال في صفة وضوء النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه" أخرجه النسائي (140)، وابن ماجه (422)، وأحمد (6684)، فدل ذلك على أن الأذنين تمسحان، وهذا محل إجماع فتكونان ملحقتان بالرأس؛ لأن المسح فرض الرأس، وإنما نص على أن الأذنين ليسا من الوجه ؛ لأن من أهل العلم ـ وهو مذهب الشافعية ـ من قال: إن أنهما ليسا من الرأس ولا من الوجه، بل هما سنة على حيالهما فيمسحان بماء جديد المجموع للنووي (1/413)، والحاوي الكبير للماوردي (1/121).
قال: (بل البياض الذي بين العذار والأذن منه) قوله: (بل) استدراك للتوضيح.
وقوله –رحمه الله-: (بل البياض بين العذار والأذن)، العذار عند أهل اللغة: هو الشعر النابت المحاذي للأذنين بين الصدغ والعارض المصباح المنير (2/398)، والمجموع للنووي (1/377) ، وهو أول ما ينبت للأمراد من الشعر غالبًا، فجعل المؤلف –رحمه الله-العذار وهو البياض الذي يكون بين منابت الشعر التي أمام الأذن، والأذن من الوجه أي تابعة في الوجه الذي يغسل كشاف القناع (1/95)، والمغني لابن قدامة (1/86).
قال –رحمه الله-: ((و) يغسل (ما فيه)، أي: في الوجه (من شعر خفيف) يصف البشرة؛ كعذار، وعارض ، وأهداب عين، وشارب، وعنفقة؛ لأنها من الوجه) الإنصاف (1/104)، والمغني لابن قدامة (1/78) .
ولقائل أن يقول: كيف هذا؟ يعني لو قطر في عينه بمحلول نجس، فهذا يأتي على الصورة التي ذكروا.
قالوا: (ولا يغسل داخل عينيه ولو من نجاسة ولو أمن الضرر).
قوله –رحمه الله-: (و) يغسل الشعر (الظاهر) من (الكثيف، مع ما استرسل منه)أي يغسل ما على وجهه من الشعر الظاهر الكثيف مع ما استرسل منه، أما ظاهر الشعر فهو ما بدأ منه، والكثيف ضابطه ما ستر البشرة الإنصاف (1/119)، والمبدع في شرح المقنع (1/102).
وأما قوله: (مع ما استرسل) فالمسترسل هو ما زاد عن حد الوجه من اللحية.
وقوله –رحمه الله-: ((و) يغسل الشعر (الظاهر) من (الكثيف، مع ما استرسل منه)) وغسل ما استرسل من الشعر فيه روايتان:
ومما يسأل عنه كثيرًا هنا إذا كان على يده دهن مائع، هل يؤثر ذلك على الطهارة؟
الجواب: لا، وقد نص على ذلك غير واحد من أهل العلم.
قال –رحمه الله-: (ويغسل ما نبت بمحل الفرض من إصبع أو يد زائدة) أي أنه إذا كان في عضو الطهارة ـ محل الفرض ـ زائد من إصبع أو يد، فإنه يجب غسله المغني (1/91)، والمبدع في شرح المقنع (1/103) ، فإن كانت في غير محل الفرض كإصبع في العضد مثلا أو في المنكب لم يجب غسلها على الصحيح من المذهب المغني (1/91)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/189) ؛ لأنها في غير الموضع الذي يجب غسله ؛ ولذلك قيد هنا قال: (ويغسل ما نبت بمحل الفرض) فخرج به ما نبت في غير محل الفرض.
(ثم يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما) وهذا صفة مسح الأذنين أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ولو أدخل غيرهما أجزئ كأن أدخل الخنصر أو البنصر أو الوسطى أو الإبهام، ويمسح بإبهاميه ظاهره شرح منتهى الإرادات (1/59)، والمغني لابن قدامة (1/97).
وقوله: (أي العظمين الناتئين) بيان للكعبين (في أسفل الساق من جانبي القدم) هذا بيان للمراد بالكعبين فهما العظمان الناتئان في أسفل الساق من جانبي القدم، فيدخلان في الغسل شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/197)، والمغني (1/98).
الحال الأولى: أن يذهب كل العضو المفروض في الطهارة، فلا شيء عليه، ويسقط في حقه الغسل.
والثانية: وإما أن يذهب بعضه، ففي هذه الحال إذا ذهب بعضه، قال فيه: (ويغسل الأقطع بقية المفروض) يعني ما بقي منه ؛ (لحديث«إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه البخاري (7288) ، ومسلم (1337) ولقول الله ـ تعالى ـ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن: 16].
(فإن قطع من المفصل) هذا نوع من التفصيل فيما يبقى من العضو المفروض في الطهارة، فإن كان قد بقي شيء من أصل العضو المفروض فإنه يغسل، فإن لم يبقى إلا المفصل أي مفصل المرفق مثلا أو مفصل القدم في موضع الكعب.
قال –رحمه الله-: (ثم يرفع بصره إلى السماء) الإقناع في فقه الإمام أحمد (1/32)، وشرح منتهى الإرادات (1/58)أي ومما يشرع في الوضوء الكامل أن يرفع بصره إلى السماء، ورفع البصر إلى السماء، فقد جاء في سنن أبي داود من حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله تعالى عنه ـ فيما نقله عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ وفي إسناده مقال، وفيه قال فيما نقله عقبة عن عمر قال: «فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء» سنن أبي داود (170) لكن هذه الزيادة ضعيفة، ولذلك الصواب أن ذلك ليس مشروعًا في صفة الوضوء الكامل.
قوله: ((ثم يرفع بصره للسماء) بعد فراغه (ويقول ما ورد) أي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـومنه: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» أخرجه مسلم (234).
قوله –رحمه الله-: (ومن وضأه غيره ونواه هو صح) أي الوضوء (إن لم يكن الموضئ) يعني من وضىء غيره (مكرهًا بغير حق) ؛ لأنه يكون كالمغصوب، فإن كان الفاعل مكرهًا نزل منزلة المغصوب فلا يصح الوضوء حينئذ المغني (1/85)، والمبدع في شرح المقنع (1/110).