الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فقد تقدم ما يتصل بمشروعية المسح على الخفين، وبيان ما يتعلق بمدة المسح، وما يشترط في الممسوح عليه ؛ حيث ذكر –رحمه الله-شروط ما يمسح عليه، فقال: (من حدث بعد لبس على طاهر مباح ساتر للمفروض يثبت بنفسه).
ثم قال: (من خف) قلنا: (من) هنا بيانية، والمقصود أن الذي يمسح عليه مما تتوافر فيه الشروط السابقة، هو الخف، وقدم ذكر الخف ؛ لأن المسح على الخف متفق عليه، وقد تواردت فيه نصوص كثيرة وأحاديث عديدة حتى عد من المتواترات.
وقد نقل الشارح –رحمه الله-عن الإمام أحمد قوله: (ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
والجورب ما يلبس على القدم من غير الجلود لسان العرب (1/259)، وتاج العروس (2/156) ، هذا أجمع ما يمكن أن يعرف به الجورب، قد يكون من قماش وقد يكون من غير القماش، كما لو كان من بلاستيك مثلا أو غير ذلك من المصنوعات التي ليست من الجلود، فالخف من جلد وما عداه يدخل في قوله وجورب.
والأصل في الجورب أن يكون من قماش ونحوه.
وقوله –رحمه الله-: (صفيق) هذا بيان شرط زائد على ما تقدم من الشروط السابقة في الممسوح عليه، فذكر شرطًا زائدًا على شروط ما يمسح عليه من طهارة وإباحة وستر للمفروض وثبات بنفسه قال: (وصفيق).
وذكر هذا الشرط في الجورب دون الخف ؛ لأن الخف من جلد ويتحقق به الستر والكثافة والثقل الذي يتحقق به وصف كونه صفيقًا، وأما الجورب فقد يكون خفيفًا، ولذلك ذكر هذا الشرط بقوله: (صفيق) شرح منتهى الإرادات (1/61)، والمغني لابن قدامة (1/215).
قال –رحمه الله-في تعريف الجورب: (وهو ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد) وهذا أجمع ما قيل في تعريف الجورب، بعض الشراح يقول: من قماش. وهذا تقييد كلام المصنف –رحمه الله-هنا أجود وأوسع في إدخال كل ما يلبس على الرجلين من غير الجلود، واستدل له بقوله –رحمه الله-: («لأنه –صلى الله عليه وسلم- مسحَ على الجَوربَينِ والنَّعلَينِ » رواه أحمد وغيره صححه الترمذي) سنن أبي داود (159)، والترمذي (99).
فالدليل على جواز المسح على الجورب فعل النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فيما جاء عنه في حديث المغيرة بن شعبة «أن النبي –صلى الله عليه وسلم-مسح على الجوربين والنعلين»، وهذا فعل وهو دال على المشروعية، ويمكن أن يستدل له أيضًا بما جاء في المسند وغيره من حديث ثوبان ـ رضي الله تعالى عنه ـ «أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمرهم بالمسح على العصائب والتساخين» سنن أبي داود (146)، ومسند الإمام أحمد (34)،والتساخين: اسم جامع لكل ما تسخن به القدم فيشمل الخفاف والجوارب واللفائف وجميع ما تستر به القدم.
ولهذا استدل بهذا الحديث حديث ثوبان على جواز المسح على الجوارب، وهذا أقوى في الدلالة من حديث المغيرة الذي ذكره المصنف –رحمه الله-لأن ذلك أمر وهذا فعل، والأمر أقوى في الدلالة من الفعل، فالمسح على الجورب ثبت من قوله ومن فعله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ولكن المؤلف –رحمه الله-اختار هذا الدليل الفعلي ؛ لأنه نص بخلاف حديث ثوبان، فإنه لم ينص على الجورب ؛ بل ذكر التساخين وهو يشمل الجورب وغيره.
قال –رحمه الله-: (ونحوهما) الضمير يعود (أي نحو الخف والجورب كالجرموق) أي ونحوهما مما يلبس على القدم من جلود وغيرها ومثل له بالجرموق (ويسمى الموق وهو خف قصير) وهذا اسم لنوع من اللباس معروف في الزمن السابق عرفه باسم آخر قال: (يسمى الموق وهو خف قصير)، والمقصود بالقصير أنه لا يبلغ مبلغ الخفاف المعروفة التي يستر فيها القدم والشيء من الساق، بل يقتصر على ستر القدم مع الكعبين.
قال: (فيصح المسح عليه لفعله –صلى الله عليه وسلم-رواه أحمد وغيره)، والمقصود بفعله –صلى الله عليه وسلم-ما جاء في المسند من حديث بلال بن رباح ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال: «رأيتُ رَسولَ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ـيمسَحُعلىالمُوقَينِوالخِمارِ » أخرجه أبو داود (153)، والحاكم (605)، والبيهقي (1419)وهما خفاف قصار، فهذا دليل آخر على المسح على ما عدا الجورب الصفيق والخف مما يستر به القدم وعموم حديث ثوبان يشمل هذا كله.
قال: (و)يصح المسح أيضا (على عمامة) هذا ثالث ما ذكره المؤلف أو ما نص عليه المؤلف من الممسوحات، نص على الخف وعلى الجورب الصفيق وألحق بهما ما كان مثلهما.
ثم قال: (على عمامة) والمسح على العمامة ثابت عنه –صلى الله عليه وسلم-وقد ذكر ذلك المصنف –رحمه الله-في قوله:
(على عمامة)، مباحة، (لرجل)لا امرأة؛ لأنه «صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة»قال الترمذي: حديث حسن صحيح) سنن الترمذي (100)والحديث في صحيح الإمام مسلم من حديث المغيرة بن شعبة ـ رضي الله تعالى عنه ـ «أن النبي –صلى الله عليه وسلم-توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين» أخرجه الإمام مسلم (231).
الشرط الثاني: قال: (لرجل) أن تكون لرجل، فإن كانت لغير رجل كأن تعتم المرأة لم يصح المسح ؛ لأنه لا يجوز لها لبسها ؛ لما فيه من التشبه، ولذلك قال: (لرجل لا لامرأة) المغني (1/222)، والإقناع في فقه الإمام أحمد (1/36).
الثالث: أن تكون على صفة معينة، صفة محددة وذكر ذلك بقوله: (محنكة)وهي التي يدار منها تحت الحنك كور بفتح الكاف فأكثر، (أو ذات ذؤابة)بضم المعجمة، وبعدها همزة مفتوحة، وهي طرف العمامة المرخى)، فيشترط في العمامة أن تكون على أحد هذين الوصفين:
الأول: أن تكون محنكة بأن يكون أحد أكوارها التي تلف على الرأس تحت الحنك.
فإذا توافر أحد هذين الوصفين في العمامة جاز المسح عليها، والعلة في هذا الوصف هو أن تتحقق المشقة في نزع العمامة، فإذا كانت مما لا يشق نزعه فإنه لا يمسح عليه، لأنه يمكن أن يحقق المطلوب من غير مشقة.
الشرط الرابع: قال –رحمه الله-: (ويشترط أيضًا أن تكون ساترة لما لم تجري العادة بكشفه) هذا رابع الشروط، فيشترط في العمامة التي تمسح أن تكون ساترة لما لم تجري العادة بكشفه،(كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس، فيعفى عنه ؛ لمشقة التحرز منه) يعني ما بان وظهر ما عدا هذا، فيعفى عنه (بخلاف الخف) لأن الخف يشترط فيه أن يكون ساترًا لجميع محل الفرض الكافي في فقه الإمام أحمد (1/77)، والمغني لابن قدامة (1/219)
قال –رحمه الله-: (ويستحب مسحه معها) يستحب الضمير في (مسحه) يعود إلى ما ظهر من الرأس مما يشق ستره أو لم تجري العادة بستره فيستحب مسحه.
والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن هذا الشرط لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة، والناصية مقدمة الرأس، وهم يشترطون أن يكون مستورًا، فلما مسح على ناصيته دل على أنها لم تكن مستورة، فهذا شرط لا دليل عليه، بل يمسح على كل عمامة جرى العرف بلبسها سترت ما يجري العادة بستره أو لا.
وقوله –رحمه الله-: (ويستحب مسحه) أي مسح ما ظهر مما جرت العادة بعدم ستره معها أي مع العمامة، والدليل على الاستحباب ما جاء في حديث المغيرة «أن النبي – صلى الله عليه وسلم- توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين» أخرجه الإمام مسلم (231)،فدل ذلك على أنه يمسح ما ظهر، وأن مسحه مستحب وعلم من كلام المؤلف في قوله: (ويستحب مسحه معها) أن الاقتصار على مسح العمامة دون ما يظهر من الرأس يجزئ في مسح الرأس، وهذا هو المذهب والدليل على هذا أنه جاء في عدة أحاديث ذكر مسح النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لمسح العمامة دون ذكر مسح شيء من الرأس الشرح الكبير (1/419)، والمغني (1/219).
ففي صحيح البخاري من حديث عمرو بن أمية ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: « رَأَيْتُ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ يَمْسَحُ علَى عِمَامَتِهِ وخُفَّيْهِ» صحيح البخاري (205) ولم يذكر أنه مسح على شيء من رأسه فقصر المسح على العمامة، وكذلك في حديث ثوبان ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: «بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأمرَهُمْ أنْ يَمْسَحُوا على العَصائِبِ والتَّساخِينِ » سنن أبي داود (146)، والمستدرك (612)، و أحمد (22383)، العصائب أي العمائم وليس في هذا الحديث ذكر مسح شيء من الرأس غير العمامة، فدل ذلك على أن مسح ما ظهر من الرأس مع العمامة مستحب.
وأما مسح الأذنين وهما تابعان للرأس، فلا خلاف بين أهل العلم أنه لا يجب مسح الأذنين فيما إذا مسح على العمامة، وذلك لأن الأحاديث الواردة لم تذكر أنه مسح الأذنين مع العمامة، ولهذا لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يجب مسح الأذنين إذا مسح على العمامة المغني لابن قدامة (1/219)، والشرح الكبير (1/166).
وقوله –رحمه الله-: (وعلى خُمُرِ نساء مدارة تحت حلوقهن)؛ لمشقة نزعها كالعمامة، بخلاف وقاية الرأس) هذا رابع ما ذكره المؤلف مما يمسح عليه خمر النساء الخمر هي ما يغطى به الرأس لكن اشترطوا في ذلك أن تكون مدارة تحت رؤوسهن وأما الدليل على ذلك قال: (كالعمامة) يعني قياسًا على العمامة، وكأنه لم يستحضر المؤلف –رحمه الله-دليلا نصيًّا يدل على مشروعية المسح على الخمر الشرح الكبير (1/386)، والمبدع في شرح المقنع (1/114).
وقد ذكرنا قبل قليل ما جاء في مسند الإمام أحمد من حديث بلال قال: «رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمسح على الموقين والخمار» رواه ابن خزيمة (189)، والطبراني في الأوسط (6220)فجاء النص على المسح على الخمار، والخمار مما تغطي به النساء رؤوسهن.
وقول بلال: «رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يمسح على الموقين والخمار»، فالخمار هنا اسم عام يشمل العمامة وغيرها، فيطلق على عمائم الرجال خمر ؛ لأنه يستر به الرأس، وإن كان على صفة مخالفة ومغايرة لما تستر به النساء رؤوسهن.
ثم قال –رحمه الله-: (بخلاف وقاية الرأس) يعني بخلاف ما يوضع عن الرأس وقاية له من قماش أو غيره، فإنه لا يأخذ حكم خمر النساء ولا يأخذ حكم العمائم.
قال –رحمه الله-: (وإنما يمسح جميع ما تقدم (في حدث أصغر) لا في حدث أكبر، بل يغسل ما تحتها) بيّن –رحمه الله-أن الرخصة في المسح على الخفين وعلى الجورب الصفيق، وعلى العمائم وعلى الخمر فيما تقدم ذكره إنما هو في الحدث الأصغر، وذلك أن المطلوب في الحدث الأكبر الغسل، ولا يتأتى ذلك مع وجود هذه الحوائل. ولهذا قال: (بل يغسل ما تحتها) لقول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾[المائدة: 6] وهذا محل اتفاق بين أهل العلم لا خلاف بينهم فيه، أن المسح على الخفين وعلى العمائم وعلى الخمر، إنما هو في الحدث الأصغر لا في الحدث الأكبر، يعني في الوضوء لا في الغسل.
قال –رحمه الله-: ((و)يمسح على(جبيرة)) المغني لابن قدامة (2/404)، والفروع وتصحيح الفروع (1/199)هذا خامس ما ذكره المؤلف –رحمه الله-مما يشرع فيه المسح، وجبيرة: فعيلة بمعنى فاعلة أي جابرة وهي ما عرفه المؤلف بقوله: (مشدودة على كسر أو جرح ونحوهما)، فالجبيرة هي ما يشد على الكسور أو على الجروح لجبرها وإزالة ما أصابها من كسر أو جرح.
والمصنف –رحمه الله-لم يذكر الدليل على المسح على الجبيرة ابتداء، بل أخر ذلك إلى فراغه من بعض الأحكام المتعلقة بالجبائر، ودليل المسح على الجبيرة ما تقدم ذكره في حديث ثوبان «أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين» سنن أبي داود (146)، والمستدرك (612)، و أحمد (22383). والتساخين: هي كل ما تسخن به الأرجل، ما وجه الدلالة في الحديث على مشروعية المسح على الجبيرة؟
يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن وجه الدلالة في الحديث أن الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ شكوا إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-البرد في حديث ثوبان لما رجعوا، فأمرهم –صلى الله عليه وسلم-في دفع ذلك بالمسح على التساخين على كل ما تسخن به الأقدام، فلما أذن لهم في دفع ضرر البرد للمسح على الخفاف، فيقاس عليه ما هو أحوج وهو دفع الضرر بنزع الجبائر التي في نزعها ضرر.
فإذا أذن لهم في دفع ضرر البرد بالمسح على الخفين، فجواز المسح على الجبائر من باب أولى لأن الضرر الحاصل بنزعها أعظم من الضرر الحاصل بالبرد. الإنصاف (1/187، 188)، وكشاف القناع (1/120).
قال –رحمه الله-: (ودواء على البدن تضرر بقلعه، كجبيرة في المسح عليه)، أي بإزالته كجبيرة في المسح عليه أي في مشروعية المسح عليه شرح منتهى الإرادات (1/67)،ومما يندرج في الدواء الذي ذكر المصنف -رحمه الله-في بعض صوره ما تستعمله النساء من اللواصق لمنع الحمل، فإن من وسائل منع الحمل ما يلصق على موضع في البدن يفضي إلى إفرازات في البدن تمنع الحمل، ويُسأل عن هذا كثيراً، هل هذا في حكم الجبيرة أو لا؟
والمعاصرون منهم من قال: هو في حكم الجبيرة، ومنهم من قال: ليس في حكم الجبيرة ؛ لأن ثمة وسائل أخرى يتحقق بها منع الحمل، ثم منع الحمل ليس دواء ؛ بل هو أمر قد يكون يحقق مصلحة أو يدفع مضرة، لكنه ليس وسيلة من وسائل الدواء، والذي يظهر أنه في بعض الحالات التي يكون الحمل فيها مضرا ويوصي الأطباء بعدم الحمل تكون هذه الملصقات في حكم الجبيرة، فلا يقال: إنها في حكم الجبيرة مطلقًا في كل صورها حتى في المنع التنظيمي وإنما تكون في حكم الجبيرة في المنع العلاجي والدوائي إذا لم يكن مجديًا أو نافعًا استعمال وسائل أخرى.
قال –رحمه الله-: ((ولو في) حدث (أكبر)؛ لحديث صاحب الشجة) أي أن المسح على الجبائر يشرع في الحدث الأصغر والحدث الأكبر الشرح الكبير (1/383)، والمبدع في شرح المقنع (1/128)،وهذا مما خالف فيه المسح على الجبيرة المسح على الخفين، وقد ذكر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ جملة من الفروق بين المسح على الجبيرة والمسح على الخف تصل إلى عشرة فروقات هذا منها.
قال –رحمه الله-: (لحديث صاحب الشجة «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْضِدَ - أَوْ يَعْصِبَ- عَلَى جرْحِهِ خِرْقَةً، ويَمْسَحَ عَلَيْها، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» أخرجه أبو داود (336)، والدارقطني (1/189)، والبيهقي (1115) رواه أبو داودَ) ، وهذا الحديث من حديث الزبير بن خريق عن عطاء عن جابر، وجاء من حديث ابن عباس لكن كما ذكر الدار قطني –رحمه الله-هذا الحديث ليس بالقوي وفيه اختلاف على بعض رواته، فضعفه أبو حاتم وأبو زرعة وغالب المحدثين بل عامتهم على أنه حديث لا يصح. ينظر سبل السلام (1/154)، وخلاصة الأحكام للنووي (1/1/223)
وجه الدلالة فيه قوله: (ويمسح عليها) يمسح على العصابة أو على العضادة التي على جرحه ويغسل سائر جسده.
وقوله: (أو برء ما تحتها) يعني يمتد إلى هذا الوقت فما الفرق بين إلى برء أو إلى حل؟
الفرق بينهما أن الحل قد يكون قبل البرء، فإذا حلها وجب الغسل، ولو لم يبرء إذا كان لا يضره الغسل، أو إلى برء ما تحتها إن دامت حتى برئت، إن دامت الجبيرة حتى برء ما تحتها.
قال: (وليس مؤقتاً كالمسح على الخفين ونحوهما) ووجه الفرق ؛ (لأن مسحها للضرورة، فيتقدر بقدرها) وهذا تعليل لما ذكر من حكم، وهو أنه يمسح في الجبيرة إلى حلها. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/426)
ثم قال –رحمه الله-: (إذا لبس ذلك) الآن بعد أن فرغ من ذكر الممسوحات وهي الخف والجورب الصفيق والعمامة والخمر وخمر النساء والجبيرة، عاد إلى ذكر ما تشترك فيه هذه الممسوحات من شرط فقال: (إذا لبس ذلك)أي ما تقدم من الخفين ونحوهما والعمامة والخمار والجبيرة (بعد كمال الطهارة))،فهذا شرط مشترك بين جميع الممسوحات أنه لا يصح المسح إلا إذا لبس ذلك بعد كمال الطهارة بالماء. الكافي في فقه الإمام أحمد (1/73)، والمغني (1/207)
والدليل في الخف ما جاء في حديث المغيرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي –صلى الله عليه وسلم-توضأ قال المغيرة: «أهْوَيْتُ لأنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقالَ: دَعْهُمَا، فإنِّي أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْنِ» أخرجه البخاري (5799)، ومسلم (274)فعلل النبي –صلى الله عليه وسلم-ترك نزع الخفين في الطهارة في الوضوء أنه أدخلهما طاهرتين، وهذا مجمع عليه في المسح على الخف أنه يشترط للمسح على الخف أن يلبسه على طهارة، إذ إن قول النبي –صلى الله عليه وسلم-دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين بين أنه لو لم تكن الطهارة شرطاً لجواز المسح لم يكن لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (فإني أدخلتهما طاهرتين) فائدة، فإنه يفيد جعل اللبس بعد طهرهما شرطًا في جواز المسح عليهما، أما ما عدا الخفين فإن دليل ذلك هو القياس والإلحاق بالخفين.
ولهذا لم يذكر المؤلف –رحمه الله-دليلًا لما ذكره من شرط، وبالتالي القول الثاني في هذه المسألة: أنه لا يشترط أن يكون قد لبسهم على طهارة وهو قول جماعة من الحنابلة، فاختار شيخ الإسلام ابن تيمية عدم الاشتراط في العمامة والخمار والجبيرة، فيجوز المسح عليها من غير اشتراط أن يكون قد لبست على طهارة المقنع في فقه الإمام أحمد (29)، و مجموع فتاوى ابن تيمية (21/209-210).
ورجح ابن قدامه –رحمه الله-والمرداوي ذلك في الجبيرة فقالوا: لا يشترط في الجبيرة أن تكون قد لبست بعد كمال الطهارة لعدم الدليل المغني (1/204)، ومجموع الفتاوى (21/179) ، ولمفارقة هذه الملبوسات للخف في جملة من الأحكام، ففي العمامة والخمار لا يشترط سترها لجميع محل الفرض بالاتفاق، وفي الجبيرة ثمة فروقات عديدة بين الخف والجبيرة، فيضاف إلى تلك الفروقات أنه لا دليل على اشتراط اللبس على طهارة في المسح على العمامة والخمار والجبيرة.
قال –رحمه الله-: (فلو غسل رِجلاً ثم أدخلها الخف خلع ثم لبس بعد غسل الأخرى)، الآن ذكر جملة من المسائل المرتبة على هذا الأصل، وبدأ بمسألة وهي إدخال إحدى رجليه في الخف قبل اكتمال الطهارة.
فقوله –رحمه الله-: (فلو غسل رِجلاً ثم أدخلها الخف) أي أدخل رجلا في الخف قبل اكتمال الطهارة ؛ لأنه غسلها وأدخلها الخف.
قال –رحمه الله-: (خلع) يعني التي أدخلها قبل اكتمال الطهارة ثم لبس بعد غسل الأخرى، ليدخلها وقد اكتملت الطهارة وهذه المسألة ما ذكره المؤلف –رحمه الله-في هذا الموضع هو المذهب وهو قول الجمهور فهو مذهب المالكية التاج والإكليل (1/320) والشافعية روضة الطالبين للنووي (1/124)مع الحنابلة كشاف القناع (1/126، 127)،والدليل قوله ـ صل الله عليه وسلم ـ: "فإني أدخلتهما طاهرتين" وهذا يفيد بأن علة جواز المسح على الخفين ثبوت الطهارة للقدمين جميعا وقت إدخالهما، ومعلوم أن الطهارة لا تثبت للعضو إلا بعد كمال جميع الطهارة، هذا دليل المذهب فيما ذكروا من أنه إذا أدخل إحدى رجليه قبل اكتمال الطهارة وجب عليه النزع وإكمال الطهارة ثم الإدخال.
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه إذا أدخل إحدى قدميه قبل اكتمال الطهارة، فإنه ستثبت لها الطهارة بغسل الأخرى، ولا يلزم اقترانهما في الطهارة والإدخال، فالحديث يعم ما لو ثبت الطهارة للقدمين معا أو ثبتت لواحدة بعد الأخرى.
ثم قالوا: إن هذه الصورة داخلة في عموم الحديث، لأنه قد أدخلت كل واحدة من القدمين في الخف وهي طاهرة، فإن طهارة كل عضو تثبت بالفراغ منه، وإنما تحصل الطهارة التامة باكتمال الوضوء، لكن كل عضو يفرغ منه في الوضوء فقد حصلت الطهارة له جزئيًا فهو داخل في عموم الحديث وهذا القول أقرب إلى الصواب وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله المغني (1/207).
قال: (ولو نوى جنب رفع حدثيه) يعني الأصغر والأكبر، (وغسل رجليه وأدخلهما الخف ثم تمم طهارته أو مسح رأسه، ثم لبس العمامة) بناء على ما ذكر من شرط، (ثم غسل رجليه أو تيمم ولبس الخف أو غيره لم يمسح ولو جبيرة، فإن خاف نزعها تيمم) يعني في كل هذه الصور لا يمسح ؛ لأنه لا يتحقق به ما ذكر من وصف (فلو نوى جنب رفع حدثيه) الفروع وتصحيح الفروع (1/206)، والمبدع في شرح المقنع (1/116)يعني الأصغر والأكبر، وغسل رجليه وأدخلهما الخف ثم تمم طهارته لم يمسح لماذا؟
لأن الطهارة لم تثبت للبدن كله، فغسل القدمين وإدخالهما الخف، لا يثبت لهما الطهارة فلا يتحقق دعهما (فإني أدخلتهما طاهرتين) ويرد على هذا التقرير ما تقدم في المسألة الأولى، والصواب أنه لو نوى الجنب رفع حدثيه وغسل رجليه وأدخلهما الخف ثم تمم طهارته جاز له المسح الفروع وتصحيح الفروع (1/206)، والمبدع في شرح المقنع (1/116) ، وكذا بقية المسائل.
ذكر هذه المسألة هنا لدفع توهم أن رخصة المسح على الخفين لا تشمل أصحاب الحدث الدائم ؛ لأن أصحاب الحدث الدائم لا يتحقق فيهما الطهارة التي ذكرت في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «دَعْهُمَا، فإنِّي أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْنِ» أخرجه البخاري (5799)، ومسلم (274)لدوام الحدث لكن لكون هذا الحدث غير مؤثر في المنع من الصلاة كان وجوده كعدمه، فثبتت الطهارة حكمًا لصاحب الحدث الدائم.
ولهذا قال: (لأنها طهارة في حقه) فهي طهارة حكمية.
قال –رحمه الله-: (فإن زال عذره) عذر صاحب الحدث الدائم من سلس البول ونحوه (لزمه الخلع واستئناف الطهارة كالمتيمم يجد الماء) لماذا؟ لأن الطهارة الحكمية زالت بانقطاع موجبها وهو دوام الحدث، فيجب عليه الخلع ؛ لأنه لم يدخل قدميه على طهارة حقيقية إنما على طهارة حكمية المبدع في شرح المقنع (1/116)
واختار شيخ الإسلام –رحمه الله-أنه لا يجب عليه الخلع، لأنها طهارة شرعية ثبت لصاحبها جواز المسح، فلا تنتقض بانقطاع الحدث الدائم، وهذا القول أقرب للصواب.
قال –رحمه الله-: (ومن مسح في سفر) الآن انتقل إلى جملة من المسائل المتعلقة بمدة المسح.
قال: ((ومن مسح في سفر ثم أقام)؛ أتم مسح مقيم إن بقي منه شيء، وإلا خلع، (أو عكس)، أي: مسح مقيما ثم سافر؛ لم يزد على مسح مقيم؛ تغليبا لجانب الحضر) المغني لابن قدامة (1/213)، والكافي في فقه الإمام أحمد (1/75) وفي رواية عن أحمد المغني (1/213) أنه يتم مسح مسافر ؛ لأنه وجد السبب الذي يستبيح به هذه المدة قبل أن تنتهي مدة الإقامة، فجاز له المسح، وقد نقل ابن قدامه عن الخلال أن الإمام أحمد رجع إلى هذا القول العدة شرح العمدة ص (39)، والفروع وتصحيح الفروع (1/210)، وهو أنه يجوز له مسح المسافر فيما إذا مسح مقيمًا ثم سافر، فله أن يترخص بمسح المسافر.
قال: (فيمسح تتمة يوم وليلة فقط ؛ لأنه المتقين) واليقين لا يزول بالشك، والطهارة لا يصلح فيها الشك.
قال –رحمه الله-: ((وإن أحدث)في الحضر (ثم سافر قبل مسحه؛ فمسح مسافر)؛ لأنه ابتدأ المسح مسافراً) هذا إشارة إلى ما يتعلق بابتداء مدة المسح، تقدم لنا فيما سبق ابتداء مدة المسح هل ابتداء مدة المسح من الحدث بعد اللبس أم من المسح؟
المذهب أن ابتداء مدة المسح من الحدث، فالآن إن أحدث في الحضر ثم سافر قبل أن يمسح قال: (فمسح مسافر) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/404)يعني لم يجعل ابتداء مدة المسح هي التي يناط بها تحديد المدة فيما إذا انتقل من إقامة إلى سفر، بل المنوط به الحكم هو المسح، وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية المجموع للإمام النووي (1/487) ، والعلة في ذلك قالوا: إن الحدث يبدأ بحساب المدة فلما لم يمسح حتى سافر، فإنه يكون قد فعل المسح مسافرًا في وقت جواز فعله، فيترخص بمدة المسافر وهذا القول وجيه، فيكون الفيصل فيما يتعلق بمن انتقل من إقامة إلى سفر ليس الحدث، فلو أحدث في محل إقامة ثم سافر ومسح، فإنه يمسح مسح مسافر، ولو قال إنه يمسح مسح مقيم ؛ لأنه ابتداء المدة بالحدث والحدث كان في محل إقامة.
المراد أنه شيء خلاف العمامة قال: القلانس ألبسة على الرأس ليست من العمائم.
قال: ((و)لا يمسح (لفافة)، وهي الخرقة تشد على الرجل، تحتها نعل أو لا، ولو مع مشقة؛ لعدم ثبوتها بنفسها).
قوله –رحمه الله-: ((و) لا يمسح (لفافة))أي لا يصح المسح ولا يجوز المسح على اللفافة، وعرفها بأن الخرقة تشد على الرجل تحت نعل أو لا، سواء لبس عليها نعل أو لا.
وأشكل على هذا الوجه في المذهب أنه حكي الإجماع على أنه لا يجوز المسح على اللفائف، فقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على أنه لا يجوز المسح على اللفائف المغني (1/217)، والشرح الكبير (1/162).
والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أنه لا إجماع، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: من ادعى في شيء من ذلك إجماع فليس معه إلا عدم العلم ـ يعني ما يعلم الخلاف ـ ولا يمكنه أن ينقل المنع عن عشرة من العلماء المشهورين فضلا عن الإجماع والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره. مجموع الفتاوى (21/185)انتهى
وقد ذكرت إن جواز المسح على اللفائف رواية في مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وقد يقال: إن المسح على اللفائف أولى من المسح على الجورب والخفين ؛ لأن اللفائف لا توضع عادة إلا للحاجة، وفي نزعها ضرر، ولهذا فإن الراجح من القولين ما هو وجه في مذهب الإمام أحمد من أنه يجوز يمسح على اللفائف ؛ لعموم ما جاء في حديث ثوبان "أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بالمسح على التساخين" ولأن اللفائف في معنى الخفاف وما تستر به الأقدام.
المراد أنه شيء خلاف العمامة قال: القلانس ألبسة على الرأس ليست من العمائم.
قال: ((و)لا يمسح (لفافة)، وهي الخرقة تشد على الرجل، تحتها نعل أو لا، ولو مع مشقة؛ لعدم ثبوتها بنفسها).
قوله –رحمه الله-: ((و) لا يمسح (لفافة))أي لا يصح المسح ولا يجوز المسح على اللفافة، وعرفها بأن الخرقة تشد على الرجل تحت نعل أو لا، سواء لبس عليها نعل أو لا.
وأشكل على هذا الوجه في المذهب أنه حكي الإجماع على أنه لا يجوز المسح على اللفائف، فقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على أنه لا يجوز المسح على اللفائف المغني (1/217)، والشرح الكبير (1/162).
والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أنه لا إجماع، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: من ادعى في شيء من ذلك إجماع فليس معه إلا عدم العلم ـ يعني ما يعلم الخلاف ـ ولا يمكنه أن ينقل المنع عن عشرة من العلماء المشهورين فضلا عن الإجماع والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره. مجموع الفتاوى (21/185)انتهى
وقد ذكرت إن جواز المسح على اللفائف رواية في مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وقد يقال: إن المسح على اللفائف أولى من المسح على الجورب والخفين ؛ لأن اللفائف لا توضع عادة إلا للحاجة، وفي نزعها ضرر، ولهذا فإن الراجح من القولين ما هو وجه في مذهب الإمام أحمد من أنه يجوز يمسح على اللفائف ؛ لعموم ما جاء في حديث ثوبان "أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بالمسح على التساخين" ولأن اللفائف في معنى الخفاف وما تستر به الأقدام.