قوله رحمه الله: "الرابع" أي: من مسائل المعاملات.
قوله رحمه الله: "البيع إما حاضرًا وإما غائبًا" البيع الحاضر تقدم، وهو البيع، يكون فيه المعقود عليه عينًا حاضرةً أو موصوفةً لكنها حاضرة ليست مؤجلةً. أما الصورة الثانية من البيع فهي بيع الغائب المؤجل؛ أن تكون العين غائبةً مؤجلةً، وليست فقط غائبةً، وإنما غياب مع تأجيل؛ لأن بيع الموصوف غائب، وقد تقدم الكلام عليه، أما هنا فإنه غائب مؤجل.
قوله رحمه الله:"وهو السلم"، أي: ويسمى عند الفقهاء بالسلم. والسلم هو: تعجيل الثمن، وتأجيل المثمن، هذا تعريفه: بيع يكون فيه الثمن معجلًا والمثمن مؤجلًا، المثمن أي: المبيع المعقود عليه، وهذا نوع من البيع، وإنما خصه الفقهاء رحمهم لله بباب مستقل؛ لأنه يُشترط فيه شروط زائدة على ما تقدم، وإن كان في الحقيقة غالب هذه الشروط يرجع إلى شيء من الشروط السابقة.
قوله رحمه الله:"يصح بشروط البيع" وهي السبعة المتقدمة، أو التي تقدم بعضها.
قوله رحمه الله:"ويزيد عليه" جملة من الشروط، أي: السلم يصح بشروط البيع إضافة إلى شروط أخرى، وقد ذكرت أن الشروط التي في بيع السلم ترجع في غالبها إلى شروط البيع.
عندنا في البيع سبعة شروط:
الشرط الأول: التراضي.
الشرط الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف.
الشرط الثالث: أن تكون العين مباحة من غير حاجة.
الشرط الرابع: أن يكون البيع من مالك أو مؤذون له.
الشرط الخامس: أن يكون مقدورًا على تسليمه.
الشرط السادس: أن يكون المبيع معلومًا برؤية أو صفة.
الشرط السابع: أن يكون الثمن معلومًا.
هذه سبعة شروط تقدمت الإشارة إليها في قسم البيع.
أما هنا فالشروط هذه مستحضرة، لا بد منها، ويضاف إليها الشروط التي ذكرها:
قوله رحمه الله: "بأن يكون فيما يمكن ضبطه" هذا الشرط الأول.
قوله رحمه الله: "موصوفًا" هذا الشرط الثاني.
قوله رحمه الله: "مؤجلًا" هذا الثالث.
قوله رحمه الله: "وقبض رأس ماله" هذا الرابع.
فذكر أربعة شروط؛ قد يوصلها بعضهم بالتفصيل إلى سبعة شروط زائدة على شروط البيع.
ومرجع هذه الشروط مستفاد مما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يُسلِفون في الثمار السنة والسنتين - أي: يقدمون ثمنًا والعوض هو الثمرة، - فلما رآهم يفعلون ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» البخاري (2240)، ومسلم (1604) فالشروط مستفادة من هذا الحديث.
قوله رحمه الله: "بأن يكون فيما يمكن ضبط صفاته" هذا هو الشرط الأول، وهو عائد إلى شرط العلم بالمبيع، وهنا فيه مزيد تفصيل؛ حيث قال: "بأن يكون" أي: المبيع "فيما يمكن ضبط صفاته"، والمبيع على أنواع، منه ما يمكن ضبط صفاته، ومنه ما لا يمكن ضبط صفاته؛ فـ:
قوله رحمه الله: "فيما يمكن ضبط صفاته" هذا قيد، وذكر مما ذكر صفة الضبط بالكيل والوزن والذرع.
قوله رحمه الله: "ونحو ذلك" أي: ما أشبه ذلك من وسائل الضبط، هذه الطريقة التي كانوا يضبطون بها المبيع؛ إما يضبطونه بكيل، وإما يضبطونه بوزن، وإما يضبطونه بذرع، وإما يضبطونه بعدد، وما أشبه ذلك من طرق الضبط المعروفة عندهم، لكن الصحيح أن صور الضبط لا تنحصر في هذا، بل كل ما يمكن ضبطه فإنه يصح السلم فيه، سواء كان مضبوطًا بكيل أو بوزن أو بغير ذلك، والسبب في هذا أن المقصود من الشرط هو العلم بالمبيع، فكيفما حصل العلم بالمبيع تم المقصود وتحقق الشرط.