لما فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر ما يتعلق بأحكام الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى، عاد إلى بَيان ما ترتفع به الطهارة؛ فقال رحمه الله: "والنواقض في الطهارة الصغرى سبعة".
قوله رحمه الله:"النواقض" جمع ناقضة، وليست جمع ناقض، هذا هو الأصوب في النواقض؛ أنها جمع ناقضة وليست جمع ناقض؛ لأن (فواعل) لا يجمع به إلا المؤنث، وهذا في قول بعض اللغويين، وعدوا ما خالف ذلك شاذًّا؛ كفوارس، وهوالك، ونحو ذلك.
والمقصود بالنواقض؛ أي: مفسدات الطهارة، فالنواقض هي مفسدات الطهارة، فنواقض الوضوء مفسداته، والأصل في النقض أنه هدم البناء، ولكن يُستعمل في الهدم المعنوي؛ لأن الطهارة من الحدث حكمية أو عينية؟ حكمية وليست عينيَّة، فكذلك هدمها يكون بأمرٍ معنوي.
ذكر رحمه الله في النواقض جملة من المفسدات، وهي في الجملة تنقسم إلى قسمين: إلى أحداث وأسباب، نواقض الوضوء في الجملة تنقسم إلى قسمين: أحداث وأسباب لنقض الوضوء؛ يعني ليست حدثًا، لكنها سبب لنقض الوضوء.
قال رحمه الله:"والنواقض في الطهارة الصغرى سبعة:الخارج من السبيلين، والفاحش من غيرهما، وزوال العقل بغير نومٍ يسير جالسًا أو قائمًا، ومس الفرج والمرأة بشهوة، وأكل لحم الإبل، والرِّدة".
هذه هي النواقض المفسدات التي ذكرها المؤلف رحمه الله على وجه الإجمال، بدأها بالخارج من السبيلين، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء؛ أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء في الجملة، واختلفوا في تفاصيل في هذا الشأن.
قوله رحمه الله:"الخارج من السبيلين"؛ أي: من القُبل والدُبر.
قوله رحمه الله:"والفاحش من غيرهما"؛ أي: من غير السبيلين، كما لو خرج بولٌ من غير السبيل، كما لو احتاج الإنسان إلى عملية، فأجري له مخرج للبول غير المخرج المعتاد، أو كذلك مخرج طِبِّي للغائط غير المخرج المعتاد، فإنه يكون مُلحقًا بالخارج من السبيلين، وبعضهم تكلَّم عنه فيما يتعلق بالفاحش من غيرهما.
والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن ذاك يتبع الخارج من السبيلين، واختلفوا فيه: هل يكون ناقضًا أو ليس بناقض، والصواب أن ما لا يتحكم فيه الإنسان من المخارج غير المعتادة فإنه ينقض الوضوء، وأما التفريق بين كونه يخرج من أعلى البدن أو من أسفله، فهذا لا دليل عليه.
قوله رحمه الله:"والفاحش من غيرهما"؛ يعني: لو خرجت نجاسة من غير السبيلين، وكانت كثيرة، فإنها تنقض، كالدم، وهذا محل خلافٍ بين العلماء، والصواب أنه لا ينقض إلا ما كان من حدثٍ، نص عليه الدليل من الكتاب أو السنة؛ لأن الأصل في النواقض أن يُرجع فيها إلى الكتاب والسنة، وأما ما لم يرد فيه دليل من الكتاب والسنة فالأصل أنه لا ينقض حتى يقوم الدليل.
قوله رحمه الله: "وزوال العقل"؛ أي: غيابه،
قوله رحمه الله:"بغير نومٍ يسيرٍ جالسًا أو قائمًا"، استثنى النوم اليسير، وهو الذي لا يغيب فيه الإنسان عن الإحساس،
قوله رحمه الله: "جالسًا أو قائمًا" فلو كان يسيرًا على غير هاتين الحالين فإنه ينقض.
وهذا الذي ذكره -رحمه الله- هو أحد الأقوال في المسألة، والصواب فيما يتعلق بالنوم: أن النائم لا ينتقض وضوءه إلا إذا غاب عنه الشعور والحس على أيِّ هيئة كان، فلو كان جالسًا أو قائمًا أو مضطجعًا، ما دام أن شعوره معه لم يغب فإنه لا ينتقض وضوءه، وإنما ذكر من ذكر من الفقهاء الجلوس والقيام؛ لأنها حالة لا يغيب فيها الشعور، ويدرك الإنسان فيها ما يكون منه غالبًا، فلذلك قيدوه بهذه الصفات أو بهذه الأحوال، وأنه لا ينتقض فيها، وعلى كل حال: النوم اليسير لا ينقض الوضوء إذا لم يغب فيه حس الإنسان على أيِّ صفة كان.
قوله رحمه الله:"زوال العقل"؛ يعني: زوال العقل بإغماء مثلًا، زوال العقل بصرع، بأي نوع من أنواع ذهاب العقل وتغييبه، والسبب في هذا: أن زوال العقل قد يقترن به خروج شيء من الإنسان وهو لا يشعر، وبالتالي زوال العقل حدثٌ أم سببٌ؟ سبب وليس حدثًا في ذاته، إنما زوال العقل مَظِنة حصول الحدث، والقاعدة الفقهية: أن المظنة تقوم مقام المئنة، معنى (المظنة تقوم مقام المئنة) يعني: ما كان يَحتمل معه حصول الشيء، فإن الشريعة تقيم ذلك الاحتمال مقام التحقق إذا لم يمكن التوقي منه.
فالنوم وزوال العقل على سبيل المثال هو مظنة حصول الحدث، فلما كان ذلك محتمِلًا واحتماله قوي، جعلته الشريعة كما لو كان الحدث محقَّقًا حصولًا، فهذا من الأسباب كما تقدم قبل قليل، قلنا: النواقض تنقسم إلى قسمين: أحداث وأسباب.
قوله رحمه الله:"ومس الفرج" أيضًا هذا سبب، وليس حدثًا؛ لأن مس الفرج قد يكون معه خروج لشيء ينقض الوضوء، فلذلك هذا من الأسباب، وليس من الأحداث، ولكن الراجح في مس الفرج أنه لا ينقض الوضوء إلا إذا كان قد خرج منه شيء، أما إذا لم يخرج منه شيء فإنه لا ينتقض وضوءه؛ لحديث طلق بن علي: «إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ».
قوله رحمه الله:"والمرأة لشهوة"؛ أي: ومس المرأة لشهوة. هذا سبب أو حدث؟ هذا سبب، والصواب أن مس المرأة لشهوة لا ينقض الوضوء إلا إذا تحقق خروج شيء.
قوله رحمه الله: "وأكل لحم الإبل"؛ أي: أكل لحم هذا النوع من بهيمة الأنعام وهو الإبل، والسبب في ذلك: هو ورود الحديث، وهي مسألة مختلف فيها؛ فجمهور العلماء على أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وذهب الإمام أحمد وفقهاء الحديث إلى نقض الوضوء بأكل لحم الإبل؛ لورود ذلك في حديث رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الغنم، فقال: «إِنْ شِئْتَ»، وسئل عن الوضوء من لحم الإبل فقال: «نَعَمْ».
قوله رحمه الله:"والردة" هذا آخر ما ذكره المصنف رحمه الله من النواقض، والردة: هي الخروج عن الدين، والسبب في هذا: أن الردة تبطل العمل، والوضوء من العمل، فتبطله الردة، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم: أن الردة مما يبطل بها الوضوء، ويحتاج معها الإنسان إلى تجديد الوضوء.
وانا حدث معي نفس الكلام