"وأمَّا في اصطلاح الفقهاء؛ فيتناول أمرين في الجملة:
أولًا: ربا الجاهليَّة (ربا القرض):
وهو الزيادة في الدين مقابل التأجيل".
قال المصنف رحمه الله: "وأمَّا في اصطلاح الفقهاء؛ فيتناول أمرين في الجملة" يعني الربا يُطلق على شيئين في الجملة:
الأول: ربا القرض.
والثاني: ربا البيوع.
وهذان النوعان إليهما يرجع معنى الربا الاصطلاحي الخاص المتعلق بالزيادة.
الأول: ربا القرض، وهذا من باب إضافة الشيء إلى سببه، ربا مضاف، والقرض مضاف إليه، وهو من باب إضافة الشيء إلى سببه، يعني الزيادة في القروض، الربا الذي سببه القرض، وهذا هو ربا الجاهلية، الذي جاء القرآن بتحريمه، في قول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾[آل عمران:130].
وهو المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبة عرفة، عندما قال: «إن ربا الجاهلية كله موضوع تحت قدمي» أخرجه مسلم (1218) بنحوه فالمقصود بالربا الذي وضعه تحت قدميه هو ربا الجاهلية، الذي كان بسبب القروض، هذا ما يتعلق بالنوع الأول، وعليه دارت أدلة القرآن؛ فإن أدلة القرآن جميعها تدل على تحريم هذا النوع من الربا؛ ومنها قول الله تعالى: ﴿وَمَا آتَيتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِندَ اللَّهِ﴾[الروم:39] ومنها قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾[البقرة:275] فكل ما ذكره الله تعالى من آيات الربا المحرِّمة في القرآن المراد به ربا القروض، وهو أغلظ أنواع الربا، وأشدها، كما أنه أوسعها دائرةً، فهو يدخل في جميع الأموال بلا استثناء.
إذًا ربا القروض يتسم بثلاث سمات:
أولًا: أن تحريمه جاء في القرآن.
ثانيًا: أنه يدخل في جميع الأموال.
ثالثًا: أن سببه القرض.
هذه ثلاث سمات تميز ربا القرض عن ربا البيع.
وقد عرَّفه المؤلف رحمه الله بقوله: "وهو الزيادة في الدين" يعني: في المال الثابت في الذمة، الدين هو ما ثبت في الذمة من المال، ويقابله العين، فالزيادة في الديون مقابل التأجيل هي ربا القروض، فإذا زاد في الدين الثابت في الذمة مقابل تأخير قبضه، فإنه عند ذلك يكون من ربا القروض، سواء كان المنشأ للدين القرض أو كان المنشأ للدين غير القرض.
مثال ذلك: اقترض زيد من عمرو ألف ريـال، على أن يأتيه بها بعد شهر، فطالبه بعد شهر بالألف قال: ما عندي، الألف الآن دين في ذمة من؟ في ذمة زيد لعمرو، فلما جاء ليستوفي قال: ما عندي، قال عمرو: أؤخرك شهرًا وزد مائة ريـال، الآن المائة ريـال هذه ثمن ماذا؟ ثمن التأجيل، مقابل التأجيل، هذا هو ربا القروض، والمعاملة واضح أنها من أصلها كانت قرضًا؛ لأنه أقرضه ألفًا.
صورة أخرى تندرج في ربا القروض؛ إذا اشترى الإنسان من شخص كتابًا بمائة ريـال، على أن يأتيه بالثمن بعد أسبوع، فجاء بعد أسبوع قال: ما عندي، قال صاحب المكتبة: أؤخرك وزد عشرة ريالات، هذا أيضًا من ربا القروض؛ لأنه زيادة في الدين مقابل التأجيل.