قوله رحمه الله: "وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لَا أَقُولُ: يُفْطِرُ" إن ازدرد أي: إذا ابتلع ريقه، لا أقول يفطر، وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يكون السواك رطبًا أو يابسًا، وهذا مذهب عطاء رحمه الله؛ لأنه كما قال ابن سيرين: "لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ، قِيلَ: لَهُ طَعْمٌ، قَالَ: وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ" أي: أن هذا مما يُعفى عنه، هذا مقصود ابن سيرين، أن هذا مما يُعفى عنه كما أنه يُعفى عن بقايا الماء من المضمضة، والآن بعض من بُلي بالوسواس إذا تمضمض وهو صائم جلس ساعة يمص ريقه حتى لا يُبقي شيئًا، وهذا من التكلف المذموم، فخير الخلق وأطوعهم لله عز وجل لم يفعل ذلك، بل استدل بما يبقى في الريق بعد الوضوء على جواز القُبلة، فهو مقدمة شرب لكنه ليس شربًا، كما أن القُبلة مقدمة استمتاع لكنها ليست جماعًا.
والأقرب والأرجح أنه إذا كان السواك رطبًا وله طعم ألا يُدخله جوفه لإمكان التحرز منه، أما ما لا يمكن التحرز منه فهذا يصلح أن يُقاس على ما ذكر ابن سيرين من بقاء الماء الذي له طعم.
قوله رحمه الله: "وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا" أي: يجوز له أن يكتحل، والعلة في هذا أن العين لها منفذ يصل إلى الجوف من طريق الفم، فهذا وجه ذكر الكحل، وإلا لو قال قائل: وما حكم غير الكحل مما قد يحتاج إليه الصائم؛ كالمكاييج مثلًا بالنسبة للنساء؟ هل هذا يفطر؟ أو الخِضاب بالنسبة للمرأة هل هو يُفطر؟
الجواب: الأصل أنه لا يُفطر، وإنما ذكروا الكحل لأجل ما فيه من منفذ، والصواب أن كل ما يصل إلى الجوف من غير طريق معتاد لا يُفطر، العين ليست طريقًا معتادة للأكل ولا الشرب، فإذا قطر في عينه، ونفذ شيء إلى جوفه، فهذا لا يُفطر، لكن إن بلغ فمه واستطاع أن يرده بمجِّه، فالواجب عليه أن يمُجَّه.
كذلك القطرة في الأذن، كذلك القطرة في الأنف، لكن القطرة في الأنف يأتي فيها قوله صلى الله عليه وسلم: «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» سنن أبي داود (142)، والترمذي (788)، وحسنه، وصححه ابن خزيمة (150)، وابن حبان (1054)، فينبغي له ألا يُبالغ في حقن ما يقطره في أنفه، إذا كان يحتاج إلى تقطير يُقطر بما لا يكون فيه مُبالغة، حتى لا يكون ذلك سببًا لفساد صومه.