الموجز في أحكام الحج والعمرة

من 0000-00-00 وحتى 0000-00-00
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1827

التاريخ : 2017-08-10 08:42:29


"المبحث الأول: حكم الحج والعمرة وفضائلهما: أولًا: حكم الحج والعمرة، وفورية الحج: الحج ركنٌ من أركان الإسلام، دلَّ عليه الكتاب والسنة وأجمعت عليه الأمة، فرضه الله تعالى على المستطيع من الناس مرةً في العمر. ويجب على من اكتملت فيه شروط الوجوب أن يبادر إلى الحج ولا يُؤخر؛ فإنه لا يدري ما يعرض له".

حكم الحج ركنٌ من أركان الإسلام، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وهو مما دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه علماء الأمة.

أما الكتاب: فقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَآل عمران:97.

وأما السنة: فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس في السنة العاشرة من الهجرة -صلى الله عليه وسلم-، وأذَّن في الناس أنه سيحج، وقال فيما خطب به الناس: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا» أخرجه مسلم (1337) فبيَّن أن الحج مكتوبٌ على الناس، وأن الواجب عليهم أن يمتثلوا ذلك الكتاب بفعل ما أمر الله تعالى به من الحج. وقد قام رجلٌ فقال: يا رسول الله: أَكُلَّ عامٍ؟ فسكت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى كرر الرجل مسألته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ. لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه مسلم (1337) وفي روايةٍ أخرى قال -صلى الله عليه وسلم-: «الحَجُّ مَرَّةً فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ»، وهذا في المسند أخرجه الإمام أحمد (2304)، وصححه الحاكم (3155)، ووافقه الذهبي. بإسنادٍ جيد من حديث عبد الله بن عباس، وهو دليلٌ لِمَا أجمعت عليه الأمة من أن الحج فرضٌ على الناس في العمر مرةً واحدة، وما زاد فهو تطوعٌ وقُربى.

  

والحج فرضٌ على الفور؛ بمعنى أن من اكتملت فيه شروط الوجوب، فإنه يجب عليه أن يبادر إلى ما فَرَض الله تعالى عليه من الحج؛ وذلك أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بادر إلى الحج عندما أمكنه ذلك؛ فإن الله تعالى فَرَض الحج في السنة التاسعة، لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحج تلك السنة، والسبب في ذلك أمران:

الأمر الأول: اشتغاله باستقبال الوفود الذين توافدوا إليه من أقطار الجزيرة وأرجائها معلنين الإسلام مقبلين على ما جاء به سيد الأنام من الهدى ودين الحق.

أما السبب الثاني: فهو أن مكة كانت حديثة عهدٍ بشرك، فكان يأتيها المشركون، ويحجون البيت الحرام على ما كان عليه عملهم في الجاهلية، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخلص الحج من كل أعمال الجاهلية وصورها، فلم يحج في السنة التاسعة، بل بعث أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- إلى مكة، وألحق به عليًّا، ومعهما جماعةٌ من أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وأمرهما بأن يُؤذنا في الناس يوم الحج الأكبر يوم النحر: «ألَّا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» أخرجه البخاري (369)، ومسلم (1347) كما كان عليه العمل في زمن الجاهلية؛ فإنهم في الجاهلية كانوا يطوفون بالبيت الحرام عرايا، إذا لم يكن لهم ثياب جديدة، أو إذا لم يعطهم أهل مكة من ثيابهم، فكان مَنْ يفد إلى البيت الحرام؛ إما أن يشتري ثوبًا جديدًا ليطوف به؛ لئلا يطوف بثوبٍ عصى الله تعالى فيه، وإما أن يتفضل عليه أحد من أهل الحرم فيعطيه ثيابًا يطوف بها، فإن لم يجد هذا ولا ذاك تخلى من كل ثيابه وطاف عُرْيانًا رجالًا ونساءً، كما قالت المرأة:

الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهْ          فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهْ

حيث كانت تتجرد ويبدو من عورتها ما يبدو، فتقول هذه الأبيات، وقالت هذا النظم لأجل أن تبيِّن أن ما بدا منها لا تُحِلُّه للناظرين، لكنها مضطرةٌ إلى ذلك، فأبطل الله تعالى هذا العمل، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر ومن معه أن يؤذنوا في الناس: «أَلَّا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ».

ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- لما مُنِع المشركون من الوصول إلى مكة، ومُنع من الطواف على نحو ما كان يفعله الجاهليون جاء -صلى الله عليه وسلم-، ومعه مائة ألفٍ من الصحابة كلهم يقتدي به، ويأتم به -صلى الله عليه وسلم- في حجه، ويتلقى الناس عنه أعمال نسكهم -صلوات الله وسلامه عليه-، فكانت الحجة خالصةً لأهل الإسلام.

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يؤخر الحج الذي فرضه الله تعالى عليه، بل بادر إليه عند الإمكان، وإنما أخره عن سنة فرضه في السنة التاسعة؛ للحاجة إلى التأخير من جهة اشتغاله بالوفود، ومن جهة رغبته في ألا يحج مع المشركين فتختلط سنته بما كان عليه الجاهليون من أعمال الشرك، وخلال الجاهلية.

وبهذا يتبين أن الراجح فيما يتعلق بفورية الحج أن الحج فرضٌ على الفور  لمن كان مستطيعًا؛ بمعنى أنه من كمُلت فيه شروط الوجوب لم يجز له التأخير، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، واستدلوا لذلك بجملةٍ من الأدلة؛ استدلوا لذلك بعموم الأدلة الدالة على أن الأمر يجب على الفور، وهذه مسألة أصولية، وهي هل الأمر يقتضي الفورية أو لا؟! وجمهور الأصوليين على أن الأمر يقتضي الفورية، فاستدلوا بالأدلة الدالة على وجوب الامتثال فورًا وهي أدلةٌ عامة.

واستدلوا أيضًا بأدلةٍ خاصة تتعلق بالحج من ذلك؛ ما جاء في الحديث الصحيح في المسند من حديث عبد الله بن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الدَّابَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» أخرجه الإمام أحمد (1834)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6004)   فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتعجل إلى الحج.

وقد جاء عن جماعةٍ من الصحابة، وورد مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنه لا يصح رفعه إنما غايته أن يكون صحيحًا عن عمر -رضي الله تعالى عنه، وعن علي أنه "مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا" أخرجه الترمذي (812)، وقال: في إسناده مقال. . وهذا يبين أن تأخير الحج مع القدرة عليه والاستطاعة مما يُخشى معه على صاحبه ألَّا يموت على الفطرة وعلى دين الإسلام، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَآل عمران:97.

هذا مجمل ما استدل به القائلون بوجوب الحج على الفورية.

لكن هل هي مسألة الإجماع؟

الجواب: لا، هي مسألة خلاف بين أهل العلم، هذا ما ذهب إليه الجمهور.

وذهب الإمام الشافعي -رحمه الله- إلى أن الحج يجب على التراخي، واستدل على ذلك بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحج في السنة التاسعة. والجواب على هذا قد تقدم، وأن عدم حج النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة التاسعة كان لعذرٍ ولم يكن هكذا بلا سبب.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق