فروع الفقه لابن عبدالهادي

من 1439-06-03 وحتى 1440-01-30
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 2734

التاريخ : 2017-03-22 07:22:23


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نُواصل في هذا المجلس إن شاء الله تعالى ما قد بدأناه في التعليق على كتاب فروع الفقه، وهذا الكتاب تقدم الحديث عن مميزاته وما تميز به من حيث سهولته واختصاره ودقة ترتيبه.

ومقصودنا من قراءة هذا الكتاب حتى يتبين للإخوة أن نعرض المسائل على نحو ما ذكر المؤلف في الترتيب، والتنسيق، والتنظيم، والعرض، وأما ما يتعلق ببحث المسائل ترجيحًا، ومناقشةً، واستدلالًا فإن ذلك له محله، ولا يتسع له الوقت إلا ما دعت الحاجة إلى الإشارة إليه، وإلا فالأصل أننا نعرض ما ذكره المؤلف رحمه الله، ونُبين مجملات ما في هذا المتن من مهمات المسائل التي تحتاج إلى تعليق، فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يُيسر لنا الفقه في الدين، والعمل بالتنزيل، وأن يجعلنا هداةً مهتدين.

كنا قد قرأنا فيما ذكره المؤلف رحمه الله في كتاب الصلاة، حيث قسم عرض مسائل الصلاة على أحكامها؛ فبدأ بالشرط، ثم الركن، ثم الواجب، ثم المستحب، ثم المكروه، ثم المحرَّم، والمباح، هكذا سردها -رحمه الله- على هذا النحو من العرض.

وبلغنا الشرط الثالث من شروط الصلاة وهو: الوقت، فنستعين الله تعالى في قراءته، والتعليق عليه بما فتح الله تعالى، ومَن كان عنده سؤال أو مناقشة فليسجلها، وفي نهاية المجلس إن شاء الله تعالى نستعرض كل ما يحتاج إلى إجابة من المسائل التي أشكلت .

الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد.

 قال المصنف رحمه الله:"الثالث: الوقت في الظهر بالزوال، ويليه وقت العصر من مصير ظلِّ الشيء مثله مختارًا، ثم ضرورة، ويليه وقت المغرب من مغيب الشمس، ويليه وقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل مختارًا، ثم ضرورة، ويليه وقت الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، وتُدرك الصلاة بتكبيرة، والجمعة بركعة.

 الرابع: ستر العورة بما لا يصف البشرة ما بين سُرة رجلٍ وركبته، وأمَة ما يظهر غالبًا، وحرة كلها غير وجهٍ وكف وقدم. 

الخامس: استقبال القبلة في غير شدة خوفٍ، ونافلة على راحلة في السفر. 

السادس: النية مقارنة للتكبير".

هذه مُجمل المسائل التي ذكرها -رحمه الله- في شروط الصلاة.

الشرط الأول: الطهارة من الحدث، وقد تقدم الكلام عليها، وهي الطهارة من الحدث والخبث. 

الشرط الثاني: الطهارة من النجاسة، وهو ما جرى عمل كثيرٍ من المؤلفين في البداءة به قبل غيره؛ إذ إنهم يُخصون الطهارة بكتاب مستقِل؛ حيث إن مسائل الطهارة كثيرة، وفيها من التفصيل ما قد لا يتناسب أن تُدرج ضمن شروط الصلاة في باب الصلاة، لكن المؤلف لما كان كتابه مختصرًا ذكر الطهارة ومسائلها ضمن شروط الصلاة.

  

الشرط الثالث: الوقت، والوقت هو الزمان، ودليله قوله الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ النساء: 103.

 وقد جاء ذكر أوقات الصلاة في القرآن إجمالًا، وجاء تفصيلها وبيانها في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسُنَّتِه.

أما الإجمال ففي قول الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ الإسراء: 78 هذه الآية أجمل الله تعالى فيها أوقات الصلوات الخمسة.

 وأما تفصيل ذلك ففي سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والوقت أهم شروط الصلاة؛ ذاك لأنه مقدَّمٌ على غيره في الأصل؛ إذ إن الصلاة لها مواقيت إضاعتها تُفضي إلى الإخلال بها، ولذلك كان الإتيان بها في وقتها من آكد شروط الصلاة، ولهذا يُتسامح في بقية الشروط محافظةً على الوقت؛ كما قال الله جل وعلا: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ البقرة: 238.

والمحافظة هنا المذكورة: هي المحافظة على الصلاة في كل أحوالها، والوقت على وجه الخصوص، دليله قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 239.

 فأمر الله بالصلاة على أي حالٍ كان عليه الإنسان محافظةً على الوقت، وما ذكره المؤلف رحمه الله من الأوقات بدأ فيه بالظهر، وهذا مما جرى عليه عمل كثيرٍ من المصنفين البداءة بذكر وقت الظهر، وعلَّة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى به جبريل الصلوات التي بيّن فيها مبدأ وقت كل صلاة ومنتهاه، بدأ فيه بصلاة الظهر، هذا مستند البداءة بصلاة الظهر، وأولى من هذا في المستند أن الله إنما ذكر في إقامة الصلاة عندما ذكر أوقاتها الصلاة صلاة الظهر فقال: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ الإسراء: 78أي  لزوالها، وهذا أول أوقاتها، فالبداءة بالظهر في عَدِّ أوقات الصلوات لها مستندات:

الأول: القرآن الكريم في قوله: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ الإسراء: 78، ثم ذكر بقية الأوقات.

والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمه جبريل مبدأ وقت كل صلاة ومنتهاه بدأ فيه بصلاة الظهر، وقد جاء في بعض الروايات أنه بدأه بصلاة الفجر لكن المحفوظ أنه بدأه بصلاة الظهر.

  

قوله رحمه الله:"الظهر بالزوال"، الزوال: هو ميل الشمس من وسط السماء إلى جهة الغروب، وسُمِّي زوالًا؛ لأنه انتقال،

قوله رحمه الله: "ويليه وقت العصر"، ثم قال: في بيانه: "من مصير ظل الشيء مثله" يخرج وقت الظهر، ويدخل وقت العصر، دليل ذلك ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾الإسراء: 78.

 فالأوقات الأربعة -الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء- ليس بين كل وقتٍ والآخر فاصل، بل يخرج الظهر ويدخل العصر، يخرج العصر ويدخل المغرب، يخرج المغرب ويدخل العشاء، ولذلك ذكرها في سياقٍ واحد: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ أي؛ لزوالها ﴿إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ وهو اشتداد ظلمة الليل في منتصف الليل بخروج وقت صلاة العشاء.

كلها صلوات متتابعة، ولهذا وقْتُ كل صلاةٍ ينتهي ببداية الوقت الآخر. أو بداية وقت كل صلاةٍ من الصلوات التالية للظهر يكون بنهاية الوقت السابق.

قوله رحمه الله: "من مصير ظل الشيء مثله إلى مصير ظل الشيء مثليه"،

قوله رحمه الله: "مختارًا" أي: هذا وقت الاختيار،

قوله رحمه الله:"ثم ضرورة" أي: بعد ذلك إلى غروب الشمس، ضرورة، وهذا يُبين أن وقت صلاة العصر ينقسم إلى قسمين: اختيار، وضرورة.

 الاختيار: من خروج وقت الظهر، مصير ظل كل شيء مثله، إلى مصير كل شيءٍ مثليه، وما بعد ذلك وقت ضرورة، أي: لا يُؤخِّر الإنسان الصلاة إليه إلا إذا كان مضطرًّا، وهذا جارٍ في كلام الحنابلة والشافعية، وخالف غيرهم فجعلوا الوقت واحدًا من أوله إلى آخره، ليس ثمة وقت ضرورة ووقت اختيار.

  

قوله رحمه الله:"ويليه وقت المغرب من مغيب الشمس" أي: من سقوط قرصها، ولم يذكر منتهاه؛ لأنه ينتهي بدخول وقت العشاء .

قوله رحمه الله: "ويليه وقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر"، الشفق الأحمر هو: الحُمرة التي تكون في الأفق بعد غروب الشمس، وهذه الحمرة تستمر بعد غروب الشمس زمنًا حتى إذا سقطت هذه الحُمرة جاء بعدها بياض، ويُسمَّى الشفق الأبيض، فمبدأ وقت صلاة العشاء بمغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل مختارًا، ثم ضرورة، وهذا مما خالف فيه المصنف المذهبَ؛ حيث ذكر للعشاء وقتين؛ وقت ضرورة، ووقت اختيار، وجعل الاختيار إلى ثُلث الليل، ومبدأ الضرورة من بعد ثلث الليل. والصواب أن وقت العشاء وقتٌ واحد يكون من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل؛ لما دلَّ عليه حديث عبد الله بن عمرو.

  

قوله رحمه الله:"ويليه وقت الفجر"، هذا يُشير إلى أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر، لكنه ضرورة، وهذا هو المذهب وقول جمهور العلماء.

 وذهب طائفة من أهل العلم إلى أن منتهى وقت صلاة العشاء نصفُ الليل؛ لحديث عبد الله بن عمرو، وهو الراجح، والله تعالى أعلم؛ لقول الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ الإسراء: 78، وغسق الليل هو اشتداد ظلمته، وقد جاء بيان ذلك في حديث عبد الله بن عمرو أن صلاة العشاء إلى منتصف الليل الأوسط، وهذا منتهى، ولم يذكر وقتًا بعده.

  

قوله رحمه الله:"وتُدرك الصلاة بتكبيرةٍ، والجماعة بركعة"

هذا ما يتعلق بالإدراكات، تُدرك الصلاة بتكبيرة أي: يُدرك وقتها، ويُدرك فضلها، ويُدرك ما يتعلق بالجماعة، كل الإدراكات على المذهب تحصل بتكبيرة الإحرام، وهذا أحد القولين في المسألة. وأما الجمعة فبرِكعة، ففارق المؤلف بين الجمعة وبين بقية الصلوات.

قوله رحمه الله:"تُدرك الصلاة" أي: المكتوبات وسائر ما له وقت ينتهي به يُدرك

قوله رحمه الله: "بتكبيرة"، أي: بتكبيرة الإحرام، بأن يُكبِّر قبل خروج الوقت أو قبل انتهاء الصلاة فيما إذا كان جماعة، والجمعة بركعة.

والمسألة فيها للعلماء ثلاثة مذاهب، إجمالًا ما ذكره المؤلف التفريق بين الجمعة والصلاة عمومًا في الإدراك، فالصلاة تُدرك بتكبيرة، والجمعة تُدرك بركعة، وهذا هو قول الجمهور.

وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: إن الصلاة تُدرك بتكبيرة، سواءً كانت مكتوبة أو كانت جمعة، فطردوا القول في الإدراك، فكل الإدراكات عندهم بتكبيرة الإحرام. يُقابلهم المالكية؛ ذهبوا إلى أن الإدراك لا يكون إلا بإدراك ركعة في الصلاة، وفي الجمعة، وهذا القول أقرب الأقوال إلى الصواب، فالمسألة فيها ثلاثة أقوال.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق