شرح العقيدة الواسطية

من 1439-02-06 وحتى 1440-12-06
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 2000

التاريخ : 2018-04-25 16:59:09


وقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير[الحديد: 4]، وقوله: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[المجادلة: 7]، وقوله: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[التوبة: 40]، وقوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه: 46]، وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[النحل: 128]، وقوله: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال: 46]، وقوله: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[البقرة: 249].

لا تَنافي بين العلو والمعية:

هذه الآيات الكريمات فيها إثبات معية الله تعالى لعباده، وهذا لا يتنافى مع ما تقدم من علو، فالله –سبحانه وبحمده- هو العلي الأعلى جل في علاه –سبحانه وبحمده- هو العلي العظيم، هو العلي الأعلى –سبحانه وبحمده- له ما في السموات وما في الأرض، لا يبلغ العباد قدره ولا يحيطون بعظمته ووصفه جل في علاه، فله العلو المطلق علو الذات وعلو القدر وعلو القهر.

  

وهو مع عباده، والمعية التي جاء ذكرها في القرآن نوعان:

معية عامة لجميع الخلق وهذه المعية تقتضي علم الله –عز وجل- بما يكون من الخلق، وتقتضي هيمنته –سبحانه وتعالى- على خلقه وتدبيره لهم واضطلاعه عليهم وأنه لا يخفى من شأنهم شيء، وأنه يصرف أمورهم وأنه عليهم قدير جل في علاه –سبحانه وبحمده-.

فتقتضي معاني الربوبية من ذلك قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ فأثبت علوه على عرشه –سبحانه وبحمده-.

ثم أثبت علمه ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾ أي ما يدخل فيها.

﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ ثم قال: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ أخبر عن معيته لعباده أينما كانوا فهو الظاهر الباطن لا يخفى عليه شيء من شئون خلقه، قال جل في علاه: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير[الحديد: 4]، وهذا علم بخلقه يدرك فيه ما يكون في أحوالهم بصرًا ورؤية فهو مضطلع عليهم جل في علاه.

هذه المعية معية عامة لكل الخلق، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ الخطاب لجميع خلقه ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾  أي حيث ما كنتم تسكنون في سهل أو جبل، في قعر أو وعر، في بر أو بحر، في سراء أو ضراء، في ضيق أو سعة، في غنى أو فقر، في صحة أو مرض في كل أحوالكم الله معكم مضطلع عليكم قدير عليكم محيط بكم مهيمن عليكم لا يخفى عليه شيء من شروركم وأحوالكم.

نظير هذه الآية التي تفيد المعية العامة لكل الخلق قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[المجادلة: 7]، هذه أيضًا معية عامة ثابتة لجميع الخلق، لا يستثنى منها أحد منهم فجميع الخلق تحيط بهم هذه المعية التي تفيد علم الله تعالى بأحوال خلقه، تفيد اضطلاع الله تعالى على شئونهم، تفيد جميع معاني الربوبية من الملك والتدبير والتصريف، ولا تستلزم بحال من الأحوال المخالطة ولا أنه جل في علاه في كل مكان، ولا أنه سبحانه حال في خلقه.

فهو العلي الأعلى –سبحانه وتعالى- استوي على عرشه مباين لخلقه، ليس فيه شيء من خلقه، ولا هو في شيء من خلقه –سبحانه وبحمده-.

أما النوع الثاني من المعية فهي معية بصالح عباد الله، وتعني النصر والتأييد والعناية، وجاءت في القرآن على نحوين؛ معية خاصة بأفراد، ومعية خاصة بأوصاف.

الخاصة بأفراد جاء ذكرها لأربعة أشخاص، موسي وهارون كما قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه: 46]، فأثبت الله معيته لموسى وهارون لما بعثهما وأرسلهما لفرعون، وهذه معية خاصة بأفراد، ومثلها معية الله تعالى للنبي –صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في قول الله –جل وعلا- إذ يقول لصاحبه: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[التوبة: 40]، لا خلاف بين أهل التفسير وأهل العلم أن المعية في هذه الآية للنبي –صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما، وهي معية خاصة بأفراد.

أما النوع الثاني من المعية الثابتة في الكتاب، وهي خاصة بعباد الله الصالحين، فهي المعية التي قيدت بوصف الصلاح، أو التقوى والإحسان؛ كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[النحل: 128]، فأثبت الله معيته لكل متق ولكل محسن ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال: 46]، وهذا إثبات لمعيته –جل وعلا- للصابرين، وكلا النوعين من المعية الخاصة بأفراد والمعية الخاصة بأوصاف هي معية رعاية وعناية وتأييد ونصر وحفظ وتمكين ومحبة وولاية، فهنيئا لمن فاز به وهذه الولاية لا تقتضي بحال من الأحوال مخالطة الله تعالى لهؤلاء، ولا أنه جل في علاه بذاته مخالط لهم –سبحانه وبحمده-.

بل هو معهم أينما كانوا وهو مع أوليائه وعباده وهو العلي الأعلى –سبحانه وبحمده-.

إذًا معيته جل في علاه لعباده المعية العامة والمعية الخاصة لا تستلزم ما يتوهمه أهل الضلال من أنه بذاته في كل مكان –سبحانه وبحمده- بل هو العلي الأعلى جل في علاه.

  

وضرب المؤلف مثلا لكون المعية لا تقتضي المقارنة أن السائرين في سفر يسيرون ويقولون: سرنا والقمر معنا، هل القمر معهم يمشي على الأرض؟ الجواب لا، القمر في العلو في السماء يقال: سرنا والقمر معنا سرنا والنجوم معنا، بل أحيانا يقول لك: بشر من البشر أنا معك وهو أقصى ما يكون بعدًا عنك، فتجد أن أحدا يقول لك: مهاتفًا أنت معي لما تكون تتكلم معه في التليفون وهل هو معك في نفس المكان أو هو في مكانه البائن عنك مباينة تامة؟ الجواب المعية لا تقتضي المخالطة ولا الممازجة ولا الموافقة بالمكان، بل تقتضي مطلق المقارنة التي يناسبها ويبينها السياق.

فلهذا ليس في إثبات معية الله تعالى لخلقه ما يتنافى مع علوه، ولا ما يتنافى مع استوائه على عرشه بل هو العلي الأعلى، وهو على عرشه استوي ومع ذلك هو مع خلقه بعلمه وقدرته وخلقه وتدبيره وملكه وتصريفه وهذا لجميع الخلق وهو مع أوليائه من المتقين والمحسنين والصابرين والصالحين معهم تأييدًا ونصرًا ومحبة وإكرامًا. نسأل الله أن نكون منهم.

وبهذا يتبين المناسبة في ذكر هذه الآيات التي أحسن المؤلف ذكرها في هذا السياق حيث ذكر أولًا الآيات الدالة على استواء الله تعالى على عرشه وهو علو خاص، ثم ذكر علوه على جميع خلقه ثم ختم ذلك بذكر معيته لخلقه حتى يتبين أنه ليس بشيء من كلام الله –عز وجل- ما هو متعارض ولا في شيء مما ذكره الله تعالى تعارض بل كله كما قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا[الزمر: 23] أي يشبه بعضه بعضا يصدق بعضه بعضا، ليس فيه تعارض ولا اختلاف {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلاف كثيرا}.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق