"ولا يحل الدفع قبل الغروب لمن جاء إليها نهارًا، وينتهي وقت الوقوف بعرفة بطلوع فجر يوم النحر".
ولْيُعلم أنَّ العلماء متفقون من حيث وقت الوقوف بعرفة على أن وقت الوقوف بعرفة ينقضي بطلوع فجر يوم النحر، لا خلاف بينهم في هذا، واختلفوا في بداية وقت الوقوف بعرفة، فذهب جمهور العلماء إلى أن مبدأ وقت الوقوف بعرفة بعد الزوال؛ لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يأت عرفة إلا بعد الزوال، ومعنى هذا أن من جاء عرفة ضُحى يوم عرفة ثم انصرف ولم يعد إليها حتى انقضى الوقت فإنه لا حج له على قول هؤلاء؛ لأن وقت الوقوف المشروع يبتدئ بزوال الشمس، فإذا وقف قبل ذلك وانصرف فإنه لم يأت في الوقت الذي شُرع له أن يقف فيه بعرفة، كما لو وقف في اليوم الثامن أو وقف في اليوم العاشر، فليس هذا وقت وقوفٍ، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية.
وذهب الإمام أحمد إلى أن وقت الوقوف يبتدئ من طلوع فجر يوم عرفة، واستدل لذلك بحديث عروة بن مضرس الذي تقدم، وفيه أنه قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» أخرجه الإمام أحمد (16208)، وأبو داود (1950)، والترمذي (891)، وقال: حسن صحيح. والنسائي (3041)، وصححه ابن خزيمة (2820)، وابن حبان (3850)، والحاكم (1700) . فقال: «ليلًا أو نهارًا» وما قبل الزوال داخلٌ في النهار، فدل ذلك على أنه وقتٌ للوقوف، لكن من وقف وانصرف ولم يعد فإن عليه دمًا؛ لتركه الوقوف إلى غروب الشمس، هذا ما يتعلق بمبدأ وقت الوقوف.
أما قدر الوقوف الواجب فمن جاء عرفة ليلًا أجزأه أدنى ما يكون من الوقوف؛ فليس ثمت تقدير، فلو مر بعرفة لو مكث فيها لحظة أو ساعة أجزأه ذلك، هذا إذا جاءها ليلًا، وهذا محل اتفاق؛ لحديث عروة بن مضرس.
أما من جاءها نهارًا فإن جماهير العلماء، وحُكي الإجماع عليه، أنه يجب عليه أن يبقى إلى غروب الشمس، ولا يجوز له الانصراف قبل ذلك، وقد سُئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن ذلك قال: (كلهم يشدد فيه، لم أر من يُرخص فيه) يعني؛ في الانصراف من عرفة قبل غروب الشمس، وأشد الأقوال في ذلك ما ذهب إليه الإمام مالك -رحمه الله- حيث قال: إنه من انصرف قبل غروب الشمس ولم يعد ليلًا فإنه لا حج له خلافًا للجمهور؛ فالجمهور يرون أنه من وقف ثم انصرف قبل غروب الشمس ولم يعد فعليه دمٌ وهذا هو الصحيح، ولتركه ما يجب من الوقوف إلى غروب الشمس.