"لكن لما غيَّرت الشياطين فطر أكثر الخلق، واجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، كما روى ذلك عن الله أعرف الخلق به وبخلقه، عُموا عن قبح الشرك حتى ظنوه حسنًا".
هذا بيان إذا كان الشرك على هذا النحو من القبح، وهذا الوضوح من الفساد والظلم، فلماذا تورط فيه كثيرٌ من الناس؟ كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[الأنعام:116]، وكما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[الشعراء:8]، فلماذا كانت هذه الجموع الغزيرة التي وقعت في الشرك مع كون الشرك قبيحًا؟! أجاب عن ذلك بقوله: "غيَّرت الشياطين فطر أكثر الخلق، واجتالتهم"، وقد أخبر عن ذلك الله - عز وجل - فيما جاء في الصحيح في حديث عياض بن حمار - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – روى عن ربه تعالى أنه قال: «خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ» يعني على التوحيد والجادة، «وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ» أخرجه مسلم (2865) أي: خرجت بهم عن الصراط المستقيم، فالشيطان قاعدٌ في طريق الهدى يصد عن الصراط المستقيم، يوقع الناس في أنواع من الانحرافات، وذلك بالتشبيه والتشكيك وألوانٍ من التضليل الذي صدهم به عن دين رب العالمين وأوقعهم في الشرك بالله - عز وجل -، وهذا هو السبب الذي جعل كثيرًا من الخلق يعمون عن قبح الشرك، وعن عظيم ضرره، بل من الناس من يزينه ويراه تكميلًا لحق الله - عز وجل - كما تقدم في شبهة أولئك الذين يقولون: إن عبادة غير الله إنما لأجل أن الله عظيم الجناب، وتعظيم جنابه يقتضي أن لا يُسأل مباشرة، بل يُسأل بوسائط ووسائل.