أما الصنف الثاني فيما يتعلق بأفضل الأعمال، أو أفضل العبادات.
"الصنف الثاني: قالوا: أفضل العبادات وأنفعها: التجرد والزهد في الدنيا، والتقلُّل منها غاية الإمكان، واطراح الاهتمام بها، وعدم الاكتراث لما هو منها.
ثم هؤلاء قسمان:
- فعوامهم: ظنُّوا أن هذا غاية؛ فشمَّروا إليه، وعملوا عليه، وقالوا: هو أفضل من درجة العلم والعبادة، ورأوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادةٍ ورأسها.
- وخواصهم: رأوا هذا مقصودًا لغيره، وأن المقصود به: عكوف القلب على الله تعالى، والاستغراق في محبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والاشتغال بمرضاته، فرأوا أفضل العبادات دوام ذكره بالقلب واللسان".
هذا ما يتعلق بالقسم الثاني من أقسام الناس الذين رأوا أنَّ أفضل الأعمال وأفضل العبادات هو: الزهد في الدنيا، أفضل ما تتقرب به إلى الله - عزَّ وجلَّ - أن تُخْلِي قلبك من التعلق بالدنيا.
وهؤلاء ذكر المؤلف - رحمه الله - أنهم على طريقين أو على قسمين:
عوام جعلوا الزهد في الدنيا هو المقصود؛ فتخلوا عن الدنيا، ونفَرُوا عنها ونَفَّروا الناس عنها؛ لأجل أن يحققوا أفضل الأعمال.
وفوق هؤلاء درجة وهم القسم الثاني الذين قالوا: إنَّ الزهد في الدنيا ليس مقصودًا لذاته، وإنما مقصودٌ لثمرته وغايته؛ فإن الزهد في الدنيا يوجب خُلوَّ القلب من التعلُّق بها، وإذا خلا القلب من التعلق بالدنيا تعلَّق بالله - عزَّ وجلَّ -، فيُقْبِل عليه محبةً، وذِكْرًا، وإنابةً، وخوفًا، ورغبةً، وخشيةً، وتوكلًا، وما إلى ذلك.
وهؤلاء أعلى درجة من أولئك.