بعد أن فرغ المؤلف من القضاء في الجملة، قال فيما يتعلق بالتطوع: (ولا يصح ابتداء تطوع من عليه قضاء رمضان).
(لا يصح) أي: لا يُقبل منه ولا ينفعه أن يشتغل بتطوع سواء كان تطوعًا مطلقًا أو تطوعًا مقيدًا وعليه قضاء رمضان، فلا يصوم عرفة قبل أن يقضي، ولا يصوم عاشوراء قبل أن يقضي ما عليه.
والعلة في ذلك أن ذمته مشغولة بواجب، فاشتغاله بما يجب أولى من اشتغاله بما يستحب؛ ولذلك قالوا: لا يصح. ونفي الصحة يفيد عدم الجواز وعدم ثبوت الفضل المرتب على الصوم، هل ينفعه قضاءً؟ الجواب: لا؛ لأنه لابد في القضاء من نية، فيكون صومه لغوًا.
قال: (فإن نوى صومًا واجبًا أو قضاءً ثم قلبه نفلًا صحَّ) هذه صورة تُستثنى مما تقدم، وهي أنه لا يصح ابتداء تطوع مَن عليه قضاء من رمضان؛ استثنوا من ذلك ما إذا شرع في صيام واجب ثم قلبه إلى تطوع، طبعًا قَلْبُه إلى تطوع ليس إلى تطوع مقيد، إنما إلى تطوع مطلق، ولا يجوز له أن يقلبه إلى تطوع إلا بعذر؛ مثال ذلك أن ينوي الفطر لمرض، وإذا نوى الفطر أفطر، ثم قوي وأحب أن يتم الصوم فنواه تطوعًا؛ في هذه الحال يصح.
فقوله - رحمه الله -: (فإن نوى صومًا واجبًا أو قضاءً ثم قلبه نفلًا صحَّ) القلب هنا لا يكون إلا لعذر وليس لمطلق القلب؛ مثاله: رجل صام قضاءً ثم سافر، وفي أثناء السفر قلبه نفلًا يصح هنا لأنه يصح له الفطر، فصح له أن يقلبه نفلًا، وكالصورة التي سبقت.
والصواب في هذه المسألة أنه يجوز أن يشتغل بنافلة قبل القضاء؛ لعدم الدليل على المنع، وظاهر حال عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تصوم فتؤخر صيام القضاء إلى شعبان، ويبعد أنها كانت لا تصوم من رمضان إلى رمضان إلا الفرض فقط، والنبي - صلى الله عليه وسلم - معلوم حاله: «كَانَ يَصُومُ حَتَّى يُقَالَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَالَ: لَا يَصُومُ» أخرجه البخاري (1969)، ومسلم (1156) .
ولذلك الراجح ما ذهب إليه الجمهور من صحة التطوع قبل الشروع في القضاء، لكن إن بقي عليه أيام من شعبان بقدر ما عليه من قضاء، فإن جمهور العلماء يرون أنه لا يجوز له الاشتغال بغير القضاء.
والأقرب من القولين أنه ينبغي له المبادرة، لكن التأثيم محل نظر؛ لأنهم استدلوا بعموم قوله: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184 وعائشة تحكي فعلها، وإذا كان فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الوجوب فكيف بفعل غيره، فبالتالي ما ذكره الحنفية قوي، احتجاجهم قوي؛ في أن المطلوب عدة من أيام أخر، والجمهور يقول: إن عدم تقييده برمضان يفضي إلى تراكم ما عليه من صيام وأن يترك ما عليه من صيام القضاء لكونه يؤخر؛ فجعلوا حدًّا لذلك رمضان، وهذا تعليل له وجه، لكن التأثيم والإيجاب يحتاج إلى ما هو أقوى من ذلك.