تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1743

التاريخ : 2018-01-21 13:27:52


وإليك هذا النموذج الذي ذكره الله – تعالى - عن إبراهيم - عليه السلام - الذي جعله الله - عزَّ وجلَّ - قدوةً للناس، وإمامًا في تحقيق العبودية والتوحيد لله - عزَّ وجلَّ - كما قال: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[النحل:120].

قال الله – تعالى -: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾[الأنبياء:69]؛ فالنار طبيعتها الإحراق، والإتلاف، والإهلاك، لكن الله عطَّل ذلك، فجعل النار على نقيض ذلك ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا﴾ [الأنبياء:69]؛ فجعل السبب الذي ينتج عنه العطب، والهلاك موجبًا للسلامة والنجاة؛ وذاك بأمره - جلَّ في علاه -؛ وهذا معنى قوله - رحمه الله -: "فإنَّ الوحيد حقيقته: أن ترى الأمور كلها من الله"؛ وإذا رأيت الأمور كلها من الله انقطع نظرك إلى ما سواه؛ وهذا معنى قوله: "رؤية تقطع الالتفات عن الأسباب والوسائل".

  

انتبه، قال: "تقطع الالتفات"، ولم يقل: رؤية تعطل الأسباب والوسائل، فليس الأمر فيما يتعلق بالتوحيد أن تعطل الأسباب والوسائل، بل الأسباب يطلب وجودها، ولا يتنافى أخذها لا مع دين، ولا مع عقل، بل تركها وتعطيلها يتنافى مع الديانة والعقل؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل المتوكلين، وأعظم الموحدين، ومع هذا كان يدخر قوت أهله لسنة، وكان يظاهر بين درعين في قتاله - صلى الله عليه وسلم - لخصومه، وكان يلبس المغفر، وكان يأخذ الأسباب - صلى الله عليه وسلم -، لكن لم يكن معلقًا قلبه بالأسباب، بل يفعل ما مكنه الله - تعالى - منها وقلبه معلق بالله - عزَّ وجلَّ -؛ فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع؛ هذا معنى قوله - رحمه الله -: "رؤية تقطع الالتفات عن الأسباب والوسائل"؛ فخذ السبب لكن لا تعلق قلبك به، ابذل المقدمة والنتائج على الله، تبذر والذي ينبت هو الله - جلَّ وعلا -.

  

وهكذا في كل ما يكون من الوقائع والأحداث، ابذل السبب، وأمَّا القلب فهو معلق بربِّ الأرباب، مسبب الأسباب - سبحانه وبحمده -؛ ولذلك قال - رحمه الله - تأكيدًا لهذا المعنى: "فلا ترى الخير والشر إلاَّ منه تعالى"، "لا ترى الخير"؛ أي: حصولًا ووجودًا إلَّا منه - جلَّ في علاه -.

كذلك لا ترى الشر إلَّا بتقديره - جلَّ في علاه -، فليس  شيء في الكون إلَّا بفعله، وبمشيئته؛ كما قال - جلَّ وعلا -: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:49]؛ فالله – تعالى - خالق كل شيء سبحانه وبحمده؛ وبهذا يتمُّ كمال تعلقك به، وتألهك له، وانظر إلى هذا المعنى في الذكر الذي نردده بعد الصلوات، فقد كتب المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - إلى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنهما -، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وهذا هو التوحيد الذي به تحصل النجاة، ثمَّ انظر إلى ثمرته في الإقرار والتأكيد لمقتضيات التوحيد السابقة: «اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ» أخرجه البخاري (844)، ومسلم (593) ؛ أي: ولا ينفع صاحب الغنى غناه عنك، فالإنسان إذا كان غنيًّا يظن أن غناه سيبلغه ما يريد من المطالب، ويوصله إلى ما يرغب من المقاصد، وهو سبب من أسباب إدراك المطالب، لكن الأمر لله - عزَّ وجلَّ -، فلا ينفع ذا الغنى غناه؛ فكم من غني لا يدرك بغناه مطالب، ولا يحصل ما يؤمنه، فالأسباب وسائل، لا تتعلق القلوب بها، إنَّما القلوب تتعلق بالله - عزَّ وجلَّ -.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق