تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1570

التاريخ : 2018-01-23 03:14:42


قال - رحمه الله -: "ويخرج عن هذا التوحيد: السخط على الخلق، والالتفات إليهم؛ فإن من يرى الكل من الله كيف يسخط على غيره أو يأمل سواه؟ وهذا التوحيد مقام الصديقين".

قال - رحمه الله -: "ويخرج عن هذا التوحيد"؛ وهو ما تقدم من كمال توحيد الربوبية لله، وتوحيد الإلهية له - جلَّ وعلا - يخرج عن هذا "السخط على الخلق، والالتفات إليهم"؛ أي: تعليق القلوب بما يكون منهم، واعتقاد أنَّهم ينفعون، أو يضرُّون، فمن امتلأ قلبه عقدًا بأنَّ الخلق ينفعون، أو أنَّ الخلق يضرُّون، فإنَّه وقع فيما لا نجاة له منه؛ فإنَّ الخلق مربوبون، مقهورون، لا سبيل إلى نفعهم، أو ضرِّهم إلَّا ما شاءه الله - تعالى - وقدَّره؛ ولذلك كانت وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس، وهي الوصية الجامعة: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ»، الأمة: الجماعة من الخلق والناس «لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْك» أخرجه الإمام أحمد في المسند (2669)، والترمذي في السنن (2516)، وقال: حسن صحيح ؛ وهذا يبيِّن أن كمال التوحيد في قطع النظر عما يكون من الخلق، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

والمؤمن يقرُّ بهذا نظريًّا ويعتقده من حيث المعنى الإجمالي، لكن التفاوت في امتلاء القلب يقينًا بذلك، وترجمة هذا في ترك شكاية الخلق، ولومهم، والسخط عليهم، والتعلق بهم في جلب ما ينفع، وفي دفع ما يضر؛ ولذلك يقول - رحمه الله -: "فإنَّ من يرى الكل من الله"؛ يعني من يرى أن ما يكون من شيء إلَّا بأمره، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنَّ الله خالق كل شيء كيف يسخط على غيره، فيعلم أنَّ غيره ممن أوصل إليه ما يكره، إنَّما هو بأمر الله - عزَّ وجلَّ؛ وهذا أداة، وهذا وسيلة، وهذا سبب حصل به ما تكره، فلا تغفل عن المسبب المقدر.

  

وهذا لا يعني ألَّا يلوم الإنسان من أخطأ عليه، أو أساء إليه، لكن شتان بين ما ذكرنا قبل قليل فيما يتعلق بالفرق بين النصيحة والشكاية؛ فشتان بين أخذ الحق، وإجراء العدل ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: 126] وبين أن يظن أنَّ هذا قد أوصل إليه ما يكره بنفسه من غير إرادة الله - عزَّ وجلَّ - وتقديره.

فتمام الإيمان يسمو به الإنسان من أن يتعلق بالخلق، فتجد أن ما يكره يعتقد أنَّه بأمر الله - عزَّ وجلَّ-، وأنَّه قد شاءه وقدَّره عليه، فيدفعه بما يقدره الله - تعالى - من أسباب، وإذا وصله ما يحب فإنَّه من فضل الله، ولا يعني هذا ألا يشكر، أو يثني على من أحسن إليه، بل قد قال الله - تعالى -: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ﴾ [الرحمن:60].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الصحيح في المسند وغيره: «مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ» أخرجه الإمام أحمد في المسند (7504)، وأبو داود في السنن (4811)، وصححه الترمذي (1954)، وابن حبان (3407) .

لكنْ فرقٌ بين فعل مقتضيات ما ترتبه الشريعة من الأحكام في الإساءة، أو ما ترتبه الشريعة من الأحكام في الإحسان، وبين أن يغفل الإنسان عن أن الإساءة إنَّما وصلت إليه بأمر الله، وأنَّ الإحسان يصل إليه بأمر الله، وأنَّ ما يضرُّه لن يصل إليه إلَّا بقدر الله، وأن ما ينفعه لن يبلغه إلَّا بقدر الله عزَّ وجلَّ؛ وهذا معنى قوله - رحمه الله -: "فإنَّ من يرى الكل من الله، كيف يسخط على غيره؟"؛ سخطًا يوقعه في غضب الله –عزَّ وجلَّ-، "أو يأمل سواه؟"؛ أي: يطمع في غير الله عزَّ وجلَّ؛ فإنَّه لا سبيل إلى إدراك شيء إلَّا بالله - عزَّ وجلَّ - ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.

قال: "وهذا التوحيد مقام الصدِّيقين"؛ أي: هذه منزلتهم، وهذه مرتبتهم، وهذه درجتهم؛ حيث إنَّهم كمَّلوا التوحيد والتصديق لله - عزَّ وجلَّ - في حقه - جلَّ وعلا -، في ربوبيته، وفي إلهيته.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق