تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1314

التاريخ : 2018-03-12 09:55:36


"فإن قيل: ما حقيقة الاستعانة عملًا؟ قلنا: هي التي يُعَبَّرُ عنها بالتوكل، وهي حالةٌ للقلب تنشأ عن معرفة الله تعالى، وتَفَرُّدِه بالخلق والأمر والتدبير والضُرِّ والنفع، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن".

هذا المقطع من كلام المؤلف في غاية الأهمية؛ لمعرفة كيف يُحَقق العبد الاستعانة بالله - عزَّ وجلَّ -.

يقول - رحمه الله -: "ما حقيقة الاستعانة؟" أي: كيف يُحَقِّق الإنسان تمام الاستعانة بالله التي بها يُدرك كل مطالبه، ويفوز بكل ما يحب، ويأمن من كل ما يرهب.

الاستعانة حقيقتها هي: التوكل على الله -عزَّ وجلَّ -، والتوكل على الله - عزَّ وجلَّ - تفويض الأمر إليه، اعتماد القلب على الله - عزَّ وجلَّ - في جلب النفع ودفع الضر، هذا هو التوكل الذي أمر الله تعالى به عباده في محكم كتابه في قوله تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود:123]، وفي قوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة:23].

فالتوكل الذي أمر الله تعالى به أهل الإيمان، وجعله من منازل أهل الصراط المستقيم، وجعله قرينًا للعبادة مذكورًا تلوها، هو أن يفوِّض العبد الأمر إلى الله، يعتمد بقلبه على الله - عزَّ وجلَّ - في جلب النفع وفي دفع الضر، في تحصيل ما يُحِب، وفي السلامة مما يكره.

  

يقول - رحمه الله -: "وهي حالة للقلب" أي: الاستعانة والتوكل حقيقته أنه عملٌ قلبي، يكون الإنسان فيه على تمام ركونٍ، واطمئنانٍ، وسكونٍ، أنَّ الله تعالى سيبلِّغه ما يؤمِّل وسيؤمِّنُه مما يرهب، لكن هذا لا يكون إلا عن علم، فثمَّة علمٌ وعمل.

العلم الذي يُثْمِر التوكل هو: العلم بالله - عزَّ وجلَّ -؛ ولهذا يقول: "وهي حالةٌ للقلب تنشأ - يعني: تنتج - عن معرفة الله تعالى" ما الذي ينبغي أن يعرفه عن الله ليتوكل عليه؟ كل أسماء الله وصفاته، كل ما ذكره الله تعالى من جلاله وعظمته، كل ما أخبر به في كتابه من آلائه، وإحسانه، وقدرته، وقوته، وتمام ما يشاؤه - جلَّ في علاه - يجعل القلب يركن إلى هذا الرب الذي له الأمر - جلَّ في علاه - والذي: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس:82]، كَمُل علمه، كملت قدرته، كمل غناه، ليس ثمَّة شيء ممتنعٌ عليه - سبحانه وبحمده -، بل ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس:82]، القلب المؤمن إذا امتلأ بهذه المعاني لم يلتفت إلى سوى الله، لم يلجأ إلى غيره، لم يكن فيه اعتمادٌ على غير الله - عزَّ وجلَّ -، بل كل رغبته ورهبته، خوفه، ورجائه، كل ما يكون من أعمال قلبه إنما هي لله - عزَّ وجلَّ -؛ ولهذا التوكل لا يدركه إلا من كان بالله عالمًا، فبقدر علمك بالله ومعرفتك به تكون محققًا للتوكل عليه، وبقدر ما يحصل من النقص في العلم بالله - عزَّ وجلَّ - ينقص التوكل؛ ولهذا أشار المؤلف - رحمه الله - إلى أن الاستعانة بالله - عزَّ وجلَّ - تحقيق الاستعانة المطلقة بالله، تحقيق التوكل على الله - عزَّ وجلَّ -، لا يكون إلا عن معرفةٍ بالله - عزَّ وجلَّ -، وأنه - جلَّ وعلا - المنفرد بالخلق، وأنه الذي له الأمر، وأنه المدبِّر - جلَّ وعلا -، وأنه لا يكون ضُرٌّ إلا بأمره، ولا يكون نفعٌ إلا بأمره، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، إذا تمت هذه المعارف التي نظريًّا كل المسلمين يقولونها، فإننا بعد صلاتنا نقول: «اللهم لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» أخرجه البخاري (844)، ومسلم (593) هذا الذِكر الذي نقوله بألسنتنا لو أيقنته قلوبنا لما كان فيها التفاتٌ إلى سوى الله - جلَّ وعلا -، لما كان فيها اعتماد على غيره، بل لأخلصت الاعتماد عليه والتوكل عليه - سبحانه وبحمده -.

إذا تم في قلب العبد أن الله هو الخالق، أن الله هو الرازق، أن الله هو المدبِّر، أن الله هو المالك، أنه لا نفع إلا من قِبَلِه، ولا ضُر ينكشف إلا به، وأنه لا مانع لما أعطى، وأنه لا معطي لما منع، فإن ذلك يُثْمِر تمام الاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه - جلَّ وعلا -.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق