أسباب حياة القلوب

من 2018-03-14 وحتى 2021-03-01
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1390

التاريخ : 2018-04-25 15:59:05


قال رحمه الله:

ومنها اشتياقُ القلب في وقتِ خدمةٍ

 

إليها كمُشْتَّدٍ به الجوعُ والظَّما

 

أي: من علامات صحة القلب وسلامته، ومن أسباب ذلك: اشتياق القلب في وقت خدمته، اشتياق القلب أي: شوقه وهو حركته وسعيه في إدراك محبوبه، وقد تقدم ذكر ذلك فيما مضى، فالشوق هو الحركة في إدراك المحبوب، ولكن هنا ذكر شوقًا خاصًا، وهذا ما ذكرت قبل قليل أن من الأسباب التي ذكرها رحمه الله ما قد يكون تكرارًا؛ إما لتأكيد ما تقدم، أو للإلماح إلى اختصاص في معنى من المعاني التي تندرج تحت ذلك المعنى العام.

فهنا يقول: "ومنها اشتياقُ القلب في وقتِ خدمةٍ" أي: أن القلب مشغولٌ بطاعة الله عزَّ وجل في بدنه وقلبه مقبلٌ على ربه، مشتاق إليه جلَّ وعلا، فيكون في سعية لربه جلَّ وعلا على نحوٍ من المبادرة إلى الصالحات، المبادرة إلى مرضات الله عزَّ وجل لما في قلبه من الشوق وعظيم الرغبة فيما عند الرب جلَّ في عُلاه.

  

فقوله رحمه الله: "ومنها اشتياقُ القلب في وقتِ خدمةٍ" أي: المبادرة إلى طاعة الله عزَّ وجل، وإلى القيام بما فرضه من الفرائض، وطلبه من الشرائع، كما هي حال المشتَّد به الجوع والظمأ، فإن الذي يشتَّد به الجوع والظمأ تجده مبادرًا إلى سد جوعته، مسارعًا إلى إرواء عطشه بما يسره الله تعالى من أسباب الاكتفاء مطعمًا ومشربًا، ولهذا مثَّل المؤلف رحمه الله بما مثَّل فيما يتعلق بتمثيل حال الإنسان في إقباله على ربه عندما يكون في الطاعة أنه يُقبل على ربه في غاية الاشتياق والإقبال والرغبة وصدق الإنابة إليه جلَّ في عُلاه على وجهٍ يُشبه حال هذا الذي يطلب كفاية نفسه في مطعمه ومشربه، هذا ما يظهر من قوله رحمه الله: "كمُشْتَّدٍ به الجوعُ والظَّما" أي: كحال المشتَّد به الجوع والعطش في طلب ما يكفيه مطعمًا ومشربًا.

وهذا التنظير ليس ببعيد ولا غريب، فإن القلوب فيما يتعلق بطاعة الله عزَّ وجل في غاية الضرورة إليها، أي: القلوب تعطش وتجوع، قوتُها؛ كفايتها في طاعة الله عزَّ وجل، وفي ذكره، وفي الإقبال عليه، فكما أن الأبدان تعطش وتجوع، فكذلك القلوب تعطش وتجوع، وسد جوعت البدن بالطعام والشراب، وسد جوعة القلب وسد ظمأه إنما يكون بذكر ربه، والإقبال عليه جلَّ في عُلاه.

  

ولهذا قرَّب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه المعنى في عظيم تأثير الذكر على قلبه لما واصل الصوم يومًا ثم يومًا، ونهاهم عن الصوم، قالوا: إنك تواصل؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت يُطعمني ربي ويسقين» والمقصود بالإطعام والإسقاء المذكور هنا هو ما يُلقيه الله تعالى في قلب رسوله صلى الله عليه وسلم من الروح والريحان والانشراح والبهجة والطمأنينة والسكن الذي يكتفي به عن الأكل والشرب صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وقد قال الشاعر فيما يتعلق بكلام بعض من يُحبهم قال لها: أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتُلهيها عن الزاد.

هذا إذا كان في تذكر الإنسان لمن يحب من المخلوقين، تذكره لمن يحب قد يبلغ به إلى هذه المرتبة، وإلى هذه الحد أن يُلهيها ذلك عن الطعام والزاد.

فالمحب إذا اشتغل بمحبوبه اشتغل عن حاجة بدنه من طعامٍ وشراب، وهذا معلومٌ مشاهد، وهو ما أشار إليه قول صلى الله عليه وسلم: «إني أطعم وأُسقى» فالطعام والسِقاء الذي ذكره صلى الله عليه وسلم هو اكتفاؤه بذكر ربه عن حوائج بدنه، وإلا لو كان يُطعم ويُسقى طعامًا يحصل به الفطر كطعام غيره لما قال: «إني لست كهيئتكم»، لكن يقول: أنا آكل وأشرب من رزقٍ يسوقه الله تعالى إلي إما من الجنة أو غير ذلك، لكن الطعام الذي أشار إليه هو ما يُلقيه الله في قلبه من عظيم الإقبال على ربه الذي ينشغل به عن حوائج بدنه المعتادة.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق