تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1621

التاريخ : 2018-01-25 10:58:14


ثمَّ بعد ذلك ذكر المؤلف - رحمه الله - أقسام الناس من حيث الزيارة في القبور، فقال - رحمه الله -: "والنّاس في هذا الباب - أعني: زيارة القبور - على ثلاثة أقسام:

قوم يزورون الموتى فيدعون لهم؛ وهذه هي الزِّيارة الشرعيَّة.

وقوم يزورونهم يدعون بهم، فهؤلاء هم المشركون وجهلة العوام والطغام من غلاتهم.

وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم، وقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» أخرجه الإمام مالك في الموطأ مرسلًا (593)، وصححه الألباني في المشكاة (750) وهؤلاء هم المشركون في الربوبيَّة".

هذه أقسام الناس في زيارة القبور.

  

المقصود الشرعي من زيارة القبور أمران:

الأمر الأول: الاتعاظ والاعتبار؛ «كنت نهيتم عن زيارة القبور فزوروها»، لماذا؟ «فإنها تذكر الآخرة»، المقصود: أن ينتفع الزائر بالادكار والاعتبار.

الأمر الثاني: نفع الموتى بالدعاء لهم؛ ولذلك يشرع لمن دخل المقبرة، أن يقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم، والمستأخرين، أنتم السابقون، وإنَّا إن شاء الله بكم للاحقون»؛ يتذكر أنَّه سيصير إلى هذا المآل، فينتفع هو بالتذكر والاعتبار، وينفع من زارهم بالدعاء لهم فهم أحوج ما يكونون إلى الدعاء؛ وهذا هو المقصود الشرعي بزيارة القبور.

المقصود الشرعي بزيارة القبور هذان المقصدان؛ الانتفاع للزائر بالعبرة والاتعاظ، ونفع المزور بالدعاء له؛ وهذا هو القسم الأول الذي ذكره المؤلف - رحمه الله -؛ قال: "قوم يزورون الموتى فيدعون لهم؛ وهذه هي الزِّيارة الشرعيَّة"ولم يذكر الاعتبار والادكار مع أنَّه مقصود؛ لأنَّ شأن الحديث عن قوم دعوا أصحاب القبور، أو قصدوا القبور للدعاء، فبيَّن أن المقصود من الزيارة هو الدعاء للميت، لا دعاء الميت، ولا تحري الدعاء عند قبره؛ فإنَّ قبره لا معنى له، ولا أثر له في إجابة الدعاء.

  

أمَّا القسم الثاني: قال: "وقوم يزورونهم يدعون بهم"؛ يعني يتوسلون إلى الله بهم، فيقول: يا رب، أدعوك بالولي الفلاني، بصاحب القبر، بضريحه أن تفعل بي كذا كذا؛ وهذا من الوسائل الشركية؛ ولهذا يقول - رحمه الله -: "وقوم يزورونهم يدعون بهم، فهؤلاء هم المشركون وجهلة العوام والطغام من غلاتهم"؛ فهؤلاء لم يدعوا هؤلاء الموتى، بل دعوا الله بهم، وتوسلوا بهم، طبعًا هذا قد يقترن بماذا؟ يقترن بنذر؛ ينذر للميت، يقترن بطواف على قبره، يقترن بشيء من هذه الأعمال العبادية التي تصيره قد وقع في الشرك الأكبر، أمَّا لو توسل به دون أن يدعوه من دون الله، أو يتوجه إليه بالسؤال؛ فهذا توسل مبتدع وهو من الشرك الأصغر، لكن لو أنَّه ذهب إلى القبر، فقال: يا ولي الله ادعو الله أن يعطيني كذا؛ فهذا هو مقصود المؤلف؛ حيث إنَّه دعا بهم الله؛ وهذا نوع من الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه عن الإسلام، فينبغي أن يسلم منه المؤمن، وأن يحذر منه.

أمَّا القسم الثالث ممن يزورون القبور: فهم قوم يزورون القبور؛ يزورون الموتى، فيدعونهم أنفسهم يقول: يا ولي الله، هب لي ولدًا، يا ولي الله، يسر لي الأمر الفلاني، يا فلان أعطني كذا، فيسألونهم من دون الله، وهؤلاء قد عبدوهم من دون الله، ووقعوا في شرك الربوبية؛ لماذا؟ لأنَّ كلَّ من سأل مخلوقًا ما لا يقدر عليه إلَّا الخالق، فقد صيره مالكًا، أو خالقًا، أو رازقًا، أو مدبرًا، فيكون قد وقع في شرك ماذا؟ في شرك الربوبية؛ إذ جعل مع الله ربًّا آخر يدعوه، ويسأله قضاء الحوائج، ويتوسل إليه، يعتقد أنَّه يستطيع أن يعطيه، والله - عزَّ وجلَّ - هو الذي بيده الملك، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.

هذه أقسام الناس كما ذكر المقريزي الشافعي - رحمه الله -، فيما يتعلق بزيارة القبور.

  

قال - رحمه الله -: "وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد»" دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربَّه أن يصون قبره عن أن يكون وثنًا يعبد، وقد صان الله قبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أن يكون وثنًا يعبد؛ أي: يقصد للعبادة؛ فمنذ وفاته - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا لم يتخذ قبره وثنًا يعبد، بل صان الله قبره بأن كان في بيته - صلوات الله وسلامه عليه -، فدفن في حجرته، ولا يستطيع أحد أن يصل إلى قبره - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.

مكثت عائشة في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي دفن فيه، في حجرته إلى أن ماتت، ثمَّ لما ماتت - رضي الله تعالى عنها - أغلقت الحجرة وفيها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وقبر أبي بكر - رضي الله تعالى عنه -، وقبر عمر - رضي الله تعالى عنه -، ولا يستطيع أحد أن يصل إلى قبره بنوع من الشرك.

فلا فرق فيما يحدثه بعض الناس؛ فبعض الناس يقول: الذي يأتي إلى القبر ويقول: المدد يا رسول الله؛ هذا وقع في الشرك؛ لأنَّه سأل من المخلوق ما لا يسأل إلَّا من الله، فالمدد لا يكون إلَّا من الله - عزَّ وجلَّ -، نقول: هذا الذي جاء إلى مسجد رسول الله، وقال هذه المقالة؛ لا فرق بينه وبين الذي قال: المدد يا رسول الله، وهو في بلده، أو وهو في أقصى الدنيا؛ لأنَّه لم يصل إلى قبره، بالتالي حفظ الله قبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أن يكون وثنًا يعبد.

فأجاب لله دعاء رسوله، وصان قبره - صلى الله عليه وسلم - من أن يكون وثنًا يعبد؛ ولذلك قال الإمام مالك لمن أتى للسلام على قبر النبي - صلى الله ليه وسلم -: "ما أنتم ومن في الأندلس إلا واحد"؛ في إشارة منه رحمه الله- إلى أنَّه لا فرق في المجيء إلى موضع القبر، أو إلى موضع البيت وبين البعيد عنه من حيث السلام، فقد وكَّل الله بنبيه صلى الله عليه وسلم- ملائكة سيارة يبلغون النبي –صلى الله عليه وسلم- سلام أمته حيث كانوا؛ وهذا معنى قولهم: "ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء" ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (26/ 155)، (27/ 121)، (27/ 383) معزوًّا إلى سعيد بن منصور في سننه عن عبد الله بن الحسن، ولم أقف عليه. .

وبالتالي صان الله - تعالى - قبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم القبور وأجلها، من أن يكون وثنًا يعبد، وهؤلاء الذين يتوجهون إلى قبور الموتى لطلب قضاء الحاجات، أو التوسل بهم في حصول المطلوبات؛ هؤلاء قد وقعوا في شرك في الربوبية، أو في شرك في الإلهية كما تقدم في تقسيم المؤلف - رحمه الله -.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق