تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1560

التاريخ : 2018-01-28 02:28:08


"وأما في جانب التشبُّه: فمن تعاظم وتكبَّر، ودعا الناس إلى إطرائه ورجائه ومخافته؛ فقد تشبَّه بالله ونازعه في ربوبيته، وهو حقيق بأن يهينه الله غاية الهوان، ويجعله كالذَّر تحت أقدام خلقه.

وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:  «يقول الله -عز وجل-: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحدٍ منهما عذّبته» أخرجه بنحوه مسلم (2620)، وبهذا اللفظ الإمام أحمد في المسند (9359) .

وإذا كان المصوِّر الذي يصنع الصور بيده من أشد الناس عذابًا يوم القيامة لتشبهه بالله في مجرد الصنعة، فما الظَّن بالمشبّه بالله في الربوبية والإلهية؟! كما قال -صلى الله عليه وسلم -: «أشدُّ النَّاس عذابًا يوم القيامة المصوِّرون، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم» أخرجه بنحوه البخاري (5951) (5950)، ومسلم (2108) (2109) وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يقول الله - عز وجل -: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟، فليخلقوا ذرَّةً فليخلقوا شعيرةً» أخرجه البخاري (5953) (7559)، ومسلم (2111) فنبَّه بالذّرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما.

وكذلك: من تشبَّه به تعالى في الاسم الذي لا ينبغي إلا له، كملك الملوك، وحاكم الحكام، وقاضي القضاة، ونحوه، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن أخنع الأسماء عند الله رجلٌ تسمَّى بشاهان شاه، ملك الملوك، لا مالك إلا الله » وفي لفظ: «أغيظ رجلٍ عند الله رجلٌ تسمَّى ملك الأملاك» أخرجه البخاري (6206)، ومسلم (2143) ".

هذا هو القسم الثاني من أقسام الشرك وهو التشبه بالله - عز وجل -، تشبه المخلوق بالخالق، وهو أحد قسمي الشرك حيث قال -رحمه الله-: "حقيقة الشرك تشبيه الخالق بالمخلوق، أو تشبه المخلوق بالخالق".

  

ثم ذكر - رحمه الله - من صور التشبه بالخالق ما يكون بالقلب، وما يكون بالفعل، فذكر من التشبه بالقلب الكبر؛ قال: "من تعاظم وتكبَّر"، وبالقول: "ودعا الناس إلى إطرائه" أي: التجاوز في مدحه، "ورجائه" أي: دعاهم إلى أن يرجو منه عطاءً ونوالًا، "ومخافته؛ فقد تشبَّه بالله ونازعه في ربوبيته".

ثم قال - رحمه الله - بعد ذلك: "وهو حقيق بأن يهينه الله" بعد أن ذكر الفعل ذكر ما يوجبه ذلك من عظيم العقوبة العاجلة قبل الآجلة، "حقيقٌ" أي: جدير "بمن تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه ورجائه ومخافته أن يهينه الله غاية الهوان" أن يذله الله تعالى، "ويجعله كالذَّر تحت أقدام خلقه" وهذا يوم القيامة، وأما في الدنيا فينال من المهانة ما يكون عاجل عقوبته، وقد جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن المتكبرين المتعاظمين يُحشرون يوم القيامة كالذر يطأهم الناس بأقدامهم أخرجه الإمام أحمد في المسند (6677)، وحسنه الترمذي (2492) وهذا عقوبةً لهم بنقيض مقصودهم، وفي الدنيا لا ينالون عزًّا، ولا سموًّا، ولا ارتفاعًا؛ قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا﴾ [القصص:83]، فكل من أراد العلو والفساد في الأرض فإنه يعاقب بنقيض قصده؛ يذله الله تعالى، ويسلط عليه من يكون سببًا لإهانته وتحقيره في عيون الخلق، وأما القيامة: فإنه يكون يوم القيامة على هذه الحال التي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنه يُحشر على نحوٍ من المهانة كالذر صغرًا يطأهم الناس بأقدامهم.

وقد ذكر المؤلف وعيد المتعاظمين المتكبرين الذين نازعوا الله - عز وجل - ما اختص به من الصفات فقال: "وفي الصحيح" وهو في صحيح الإمام مسلم "عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يقول الله -عز وجل-:" فهو حديثٌ إلهي "«يقول الله - عز وجل -: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحدٍ منهما عذّبته»"، وذِكْر الإزار والرداء بيانٌ لاختصاص الله - عز وجل - بهذين الوصفين، فهو العظيم - جل وعلا -، وهو المتكبر - سبحانه وبحمده - الذي له الكبرياء المطلق، فله الكبرياء في السماوات وفي الأرض - سبحانه وبحمده -، فمن نازع الله - عز وجل - شيئًا من ذلك؛ كانت عقوبته ما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الإلهي عن الله - عز وجل -: «فمن نازعني واحدًا منهما عذبته»؛ ولم يذكر؛ هل هو عذابٌ في الآخرة، أو عذابٌ في الدنيا؛ وذلك ليشمل العذاب الذي يكون في الآخرة والعذاب الذي يكون في الدنيا، والله على كل شيءٍ قدير.

 

  

ثم بعد أن ذكر هذه الصورة من صور منازعة الله صفاته - جل وعلا -، أو تشبه المخلوق بالخالق في صفات الله - عز وجل - ذكر التشبه بالأفعال فقال: "وإذا كان المصوِّر الذي يصنع الصور بيده من أشد النَّاس عذابًا يوم القيامة لتشبُّهه بالله في مجرد الصنعة" وإن لم يزعم أنه إله، وإن لم يدع الناس إلى عبادته من دون الله،  "فما الظّن بالمشبّه بالله في الربوبية والإلهية؟!" لا شك أن عقوبته أعظم، وأن مآله أقبح، وأنه نائلٌ من الذل والمهانة والعقوبة في الآخرة ما يتناسب مع حاله.

وقد أقام الله من الشواهد في حال الناس ما يدل على عظيم عقوبة من نازع الله شيئًا من صفاته، وأعظم من نازع الله في إلهيته وربوبيته من الناس فرعون، فإنه قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾[النازعات:24]، وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:38]، وقد أخبر الله تعالى عما جرى له من الهلاك فقال - جل في علاه -: ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى﴾[النازعات:25]، أي: نكال مقالته الأخيرة، ونكال مقالته الأولى عندما قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾، وذلك بما أحاطه به من العذاب وأحله به من العقوبة العاجلة غير ما هو فيه من عقوبة في البرزخ، ثم مآل قبيح في الآخرة؛ ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾[غافر:46].

والمصور لما تشبه بالله في فعله، وضاهى صنع الله - عز وجل - لما يفعله من التصاوير كان كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون يقال لهم» في بيان عجزهم وأنهم لا يقدرون على ما يقدر عليه الله - عز وجل -، وإن تشبهوا به في الصنع والصور «يُقال لهم: أحيوا ما خلقتكم»  أي: ما صورتم، وما زعمتم، وما نازعتم الله تعالى فيه.

يقول: "وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يقول الله - عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟، فليخلقوا ذرَّةً فليخلقوا شعيرةً» فنبَّه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما" مما يزعم هؤلاء أنهم ينازعون الله تعالى فيه من القدرة على التصوير، والخلق.

 

  

قال - رحمه الله -: "وكذلك: من تشبَّه به تعالى في الاسم" هنا ذكر التشبه بالفعل، وذكر قبله التشبه بأعمال القلب، والآن ذكر التشبه بالألفاظ وهو الأسماء.

فقال - رحمه الله -: "وكذلك: من تشبَّه به تعالى في الاسم الذي لا ينبغي إلا له، كملك الملوك، وحاكم الحكَّام، وقاضي القضاة، ونحو ذلك" فإنه يلحقه من المذلة والمهانة ما هو جدير به، "فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن أخنع الأسماء عند الله رجلٌ تسمَّى بشاهان شاه، ملك الملوك، لا مالك إلاّ الله»" أخنع اسم أي: أذل، وأوضع، وقد جاء في الرواية "«أغيظ رجلٍ عند الله رجلٌ تسمّى ملك الأملاك»" فقد نازع الله في الاسم؛ فكان عاقبة أمره أن أذله الله، وهذه عقوبة الله تعالى لمن نازعه سواء كان ذلك كانت المنازعة في الاسم، أو كانت المنازعة في الوصف، أو كانت المنازعة فيما يستحقه من التعظيم والإجلال والخوف والرجاء.

فمن نازع الله شيئًا من ذلك كان موجبًا لعقوبته وإهانته وعاجل سخط الله تعالى عليه سواء كانت المنازعة في حقوق الله، أو كانت المنازعة في أفعاله، أو كانت المنازعة فيما اختص به من الأسماء.

هذا ما مثل به المؤلف - رحمه الله - في هذا المقطع من كلامه، وهي وأمور دائرة على تشبه المخلوق بالخالق - جل في علاه -.

 

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق